قال السني : وهذا جواب باطل بأبطل منه ، وردّ فاسد بأفسد منه ، ومعاذ الله ، والله أكبر وأجلّ وأعظم وأعزّ أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له ، ولا هو داخل تحت قدرته ومشيئته ، فما قدر الله حقّ قدره من زعم ذلك ، ولا عرفه حقّ معرفته ، ولا عظّمه حق تعظيمه ، بل العبد جسمه وروحه وصفاته وأفعاله ودواعيه وكل ذرة فيه مخلوق لله خلقا ، تصرّف به في عبده. وقد بيّنّا أنّ قدرته وإرادته ودواعيه جزء من أجزاء سبب الفعل غير مستقل بإيجاده ، ومع ذلك فهذا الجزء مخلوق لله فيه ، فهو عبد مخلوق من كلّ وجه وبكلّ اعتبار ، وفقره إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته ، وقلبه بيد خالقه ، وبين إصبعين من أصابعه ، يقلّبه كيف يشاء ، فيجعله مريدا لما شاء وقوعه منه ، كارها لما لم يشأ وقوعه ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن.
ونعم والله سلسلة المرجحات تنتهي إلى أمر الله الكوني ومشيئته النافذة التي لا سبيل لمخلوق إلى الخروج عنها ، ولكن الجبر لفظ مجمل ، يراد به حقّ وباطل كما تقدم ، فإن أردتم به أنّ العبد مضطرّ في أفعاله ، وحركته في الصعود في السلم كحركته في وقوعه منه ، فهذا مكابرة للعقول والفطر ، إن أردتم به أنه لا حول له ولا قوة إلا بربه وفاطره ، فنعم لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهي كلمة عامة لا تخصيص فيها بوجه ما ، فالقوة والقدرة والحول بالله ، فلا قدرة له ولا فعل إلا بالله فلا ننكر هذا ، ولا نجحده لتسمية القدريّ له جبرا ، فليس الشأن في الأسماء ، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ (٢٣)) [النجم] ، فلا نترك ، لهذه الأسماء ، مقتضى العقل والإيمان.
والمحذور كلّ المحذور أن نقول : إن الله يعذب عبده على ما لا صنع له فيه ، ولا قدرة له عليه ، ولا تأثير له في فعله بوجه ما ، بل يعذبه على فعله هو سبحانه وعلى حركته ، إذا سقط من علو إلى سفل ، نعم لا يمتنع أن