على ما لم يقدر عليه خالقه وفاطره ، وهذا هو الذي فارقت به القدرية للتوحيد ، وضاهت به المجوس ، وإن كانت مقدورة للرب والعبد ، لزمت الشركة ووقوع مفعول بين فاعلين ومقدور بين قادرين وأثر بين مؤثرين ، وذلك محال ، لأن المؤثرين إذا اجتمعا استقلالا على أثر واحد ، فهو غني عن كل منهما بكل منهما ، فيكون محتاجا إليهما مستغنيا عنهما.
قال السنيّ : قد افترق الناس في هذا المقام فرقا شتى.
ففرقة قالت : إنما تقع الحركة بقدرة الله وحده ، لا بقدرة العبد ، وتأثير قدرة العبد في كونها طاعة أو معصية ، فقدرة الرب وحده اقتضت وجودها ، وقدرة العبد اقتضت صفتها.
وهذا قول القاضي أبي بكر ومن اتبعه ، ولعمر الله إنه لغير شاف ولا كاف ، فإنّ صفة الحركة إن كان أثرا وجوديا ، فقد أثرت قدرته في أمر موجود ، فلا يمتنع تأثيرها في نفس الحركة ، وإن كان صفتها أمرا عدميّا ، كان متعلق قدرته عدما لا وجودا ، وذلك ممتنع إذ أثر القدرة لا يكون عدما صرفا.
وفرقة أخرى ، قالت : بل الفعل وصفته واقع بمحض قدرة الله وحده ، ولا تاثير لقدرة العبد في هذا ولا هذا ، وهذا قول الأشعري ومن اتبعه.
وفرقة قالت : بل المؤثر قدرة العبد وحده دون قدرة الرب ، ثم انقسمت هذه الفرقة إلى فرقتين :
فرقة قالت : إنّ قدرة العبد هي المؤثرة ، مع كون الرب قادرا على الحركة ، وقالت : إنّ مقدورات العباد مقدورة لله تعالى ، وهذا قول أبي الحسين البصري وأتباعه الحسينية.