سبحانه في العقول ، وحجج العقل لا تتناقض ولا تتعارض ، ولا يجوز أن يضرب بعضها ببعض ، بل يقال بها كلها ، ويذهب إلى موجبها ، فإنها يصدّق بعضها بعضا ، وإنما يعارض بينهما من ضعفت بصيرته ، وإن كثر كلامه وكثرت شكوكه ، والعلم أمر آخر وراء الشكوك والإشكالات ، ولهذا تناقض الخصوم.
وهذا رأس مال المتكلّمين ، والقول الحق لم ينحصر في هذه الأقوال التي حكوها في المسألة.
والصواب أن يقال : تقع الحركة بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه ، فالله سبحانه إذا أراد فعل العبد ، خلق له القدرة والداعي إلى فعله ، فيضاف الفعل إلى قدرة العبد إضافة السبب إلى مسبّبه ، ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق ، فلا يمتنع وقوع مقدور بين قادرين ، قدرة أحدهما أثر لقدرة الآخر ، وهي جزء سبب ، وقدرة القادر الآخر مستقلة بالتأثير. والتعبير عن هذا المعنى ، بمقدور بين قادرين ، تعبير فاسد وتلبيس ، فإنه يوهم أنهما متكافئان في القدرة ، كما تقول : هذا الثوب بين هذين الرجلين ، وهذه الدار بين هذين الشريكين ، وإنما المقدور واقع بالقدرة الحادثة وقوع المسبب بسببه ، والسبب أو المسبّب والفاعل والآلة كله أثر القدرة القديمة ، ولا نعطّل قدرة الرب سبحانه عن شمولها وكمالهما وتناولها لكل ممكن ، ولا نعطل قدرة الرب التي هي سبب عما جعلها الله سببا له ومؤثرة فيه ، وليس في الوجود شيء مستقل بالتأثير سوى مشيئة الرب سبحانه وقدرته ، وكل ما سواه مخلوق له ، وهو أثر قدرته ومشيئته ، ومن أنكر ذلك لزمه إثبات خالق سوى الله ، أو القول بوجود مخلوق لا خالق له ، فإنّ فعل العبد إن لم يكن مخلوقا لله ، كان مخلوقا للعبد ، إما استقلالا ، وإما على سبيل الشركة ، وإما أن يقع بغير خالق ، ولا مخلص عن هذه الأقسام لمنكر