دخول الأفعال تحت قدرة الرب ومشيئته وخلقه ، وإذا عرف هذا ، فنقول : الفعل وقع بقدرة الرب خلقا وتكوينا ، كما وقعت سائر المخلوقات بقدرته وتكوينه ، وبقدرة العبد سببا ومباشرة ، والله خلق الفعل ، والعبد فعله وباشره ، والقدرة الحادثة وأثرها واقعان بقدرة الربّ ومشيئته.
فصل
قال الجبري : لو كان العبد فاعلا لأفعاله ، لكان عالما بتفاصيلها ، لأنه يمكن أن يكون الفعل أزيد مما فعله أو أنقص ، فوقوعه على ذلك الوجه مشروط بالعلم بتفصيله ، ومعلوم أنّ النائم والغافل قد يفعل الفعل ، ولا يشعر بكيفية ولا قدرة ، وأيضا فالمتحرك يقطع المسافة ، ولا شعور له بتفاصيل الحركة ولا أجزاء المسافة ، ومحرك إصبعه محرك لأجزائها ، ولا يشعر بعدد أجزائها ولا بعدد أحيازها ، والمنفس يتنفس باختياره ، ولا يشعر في الغالب بنفسه فضلا عن أن يشعر بكميته وكيفيته ومبدئه ونهايته ، والغافل قد يتكلم بالكلمة ، ويفعل الفعل باختياره ، ثم بعد فراغه منه ، يعلم أنه لم يكن قاصدا له ، فنحن نعلم علما ضروريا من أنفسنا عدم علمنا بوجود أكثر حركاتنا وسكناتنا ، في حالة المشي والقيام والقعود ، ولو أردنا فصل كلّ جزء من أجزاء حركاتنا في حالة إسراعنا بالمشي والحركة والإحاطة به ، لم يمكنّا ذلك ، بل ونعلم ذلك من حال أكمل العقلاء ، فما الظنّ بالحيوانات العجم في مشيها وطيرانها وسباحتها حتى الذر والبعوض ، وهذا مشاهد في السكران ، ومن اشتدّ به الغضب ، ولهذا قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ (٤٣)) [النساء].