فدلّ على أنّ السكران يصدر منه أقوال ، لا يعلم بها ، فكيف يكون هو المحدث لتلك الأقوال ، وهو لا يشعر بها؟! والإرادة فرع الشعور ، ولهذا أفتى الصحابة بأنه لا يقع طلاق السكران ، نزّلوا حركة لسانه منزلة تحريك غيره له بغير إرادته ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا طلاق في الإغلاق» (١) لأن الإغلاق يمنع العلم والإرادة ، فكيف يكون التطليق فعله ، وهو غير عالم به ولا مريد له؟ وأيضا فقد قال جمهور الفقهاء : إنّ الناسي غير مكلّف ، لأن فعله لا يدخل تحت الاختيار ، ففعله غير مضاف إليه مع أنه وقع باختياره.
وقد أشار النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى هذا المعنى بعينه في قوله : «من أكل أو شرب ناسيا فليتمّ صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» (٢).
فأضاف فعله إلى الله لا إليه ، فلم يكن له فعل في الأكل والشرب ، فلم يفطر به.
قال السني : هذا موضع تفصيل ، لا يليق به الإجمال ، فنقول : ما يصدر من العبد من الأفعال ينقسم أقساما متعددة ، بحسب قدرته وعلمه وداعيته وإرادته ، فتارة يكون ملجأ إلى الفعل ، لا إرادة له فيه بوجه ما ، كمن أمسكت يده وضرب بها غيره ، أو أمسكت إصبعه ، وقلع بها عين غيره ، فهذا فعله بمنزلة حركات الأشجار بالريح ، ولهذا لا يترتب عليه حكم البتة ، ولا يمدح عليه ولا يذم ولا يثاب ولا يعاقب ، وهذا لا يسمى فاعلا عقلا ولا شرعا ولا عرفا ، وتارة يكون مكرها على أن يفعل ، فهذا فعله يضاف إليه ، وليس كالملجإ الذي لا فعل له ، واختلف الناس هل يقال : إنه فعل باختياره ، وإنه
__________________
(١) مر سابقا.
(٢) رواه البخاري (١٩٣٣) عن أبي هريرة.