يختار ما فعله ، أولا يطلق عليه ذلك ، على قولين.
والتحقيق أنّ النزاع لفظي ، فإنه فعل بإرادة ، هو محمول عليها مكره عليها ، فهو مكره مختار ، مكره على أن يفعل بإرادته ، مريد ليفعل ما أكره عليه ، فإن أريد بالمختار من يفعل بإرادته ، وإن كان كارها للفعل ، فالمكره مختار ، وأيضا فهو مختار ليفعل ما أكره ، لتخلصه به مما هو أكره إليه من الفعل ، فلما عرض له مكروهان ، أحدهما أكره إليه من الآخر ، اختار أيسرهما دفعا لأشقّهما ، ولهذا يقتل قصاصا ، إذا قتل ، عند الجمهور ، والملجأ لا يقتل باتفاق الناس ؛ ومما يوضح هذا أن المكره على التكلم لا يتأتى منه التكلم إلا باختياره وإرادته ، ولهذا أوقع طلاقه وعتاقه بعض العلماء ، والجمهور قالوا : لا يقع يقع لأنّ الله جعل كلام المكره على كلمة الكفر لغوا ، لا يترتب عليه أثره ، لأنه وإن قصد التكلم باللفظ دفعا عن نفسه ، فلم يقصد معناه وموجبه ، حتى قال بعض الفقهاء : لو قصد الطلاق بقلبه مع الإكراه لم يقع طلاقه ، لأن قوله هدر ولغو عند الشارع ، فوجوده كعدمه في حكمه ، فبقي مجرد القصد ، وهو غير موجب للطلاق ، وهذا ضعيف ، فإنّ الشارع إنما ألغى قول المكره ، إذا تجرد عن القصد ، وكان قلبه مطمئنا بضده ، فأما إذا قارن اللفظ القصد ، واطمأن القلب بموجبه ، فإنه لا يعذر.
فإن قيل : فما تقولون فيمن ظنّ أن الإكراه لا يمنع وقوع الطلاق ، فقصده جاهلا بأن الإكراه مانع من وقوعه؟.
قيل : هذا لا يقع طلاقه ، لأنه لما ظن أن الإكراه على الطلاق يوجب وقوعه ، إذا تكلم به ، كان حكم قصده حكم لفظه ، فإنه إنما قصده دفعا عن نفسه ، لما علم أنه لا يتخلص إلا به ، ولم يظن أن الكلمة بدون القصد لغو ، ودهش عن ذلك ، ولا وطر له في الطلاق ، فهذا لا يقع ، بخلاف الأول ، فإنه لما أكره على الطلاق ، نشأ له قصد طلاقها ، إذ لا غرض له أن يقيم مع