وقالت الكرامية : بل نختار من هذا الترديد كون التكوين حادثا ، وقولكم : يلزم من ذلك قيام الحوادث بذات الرب سبحانه ، فالتكوين هو فعله ، وهو قائم به ، وكأنكم قلتم : يلزم من قيام فعله به قيامه به ، وسميتم أفعاله حوادث ، وتوسلتم بهذه التسمية إلى تعطيلها ، كما سمى إخوانكم صفاته أعراضا ، وتوسلوا بهذه التسمية إلى نفيها عنه ، وكما سموا علوّه على مخلوقاته واستواءه على عرشه تحيّزا ، وتوسّلوا بهذه إلى نفيه ، وكما سموا وجهه الأعلى ويديه جوارح ، وتوسّلوا بذلك إلى نفيها.
قالوا : ونحن لا ننكر أفعال خالق السموات والأرض وما بينهما ، وكلامه وتكليمه ، ونزوله إلى السماء ، واستواءه على عرشه ، ومجيئه يوم القيامة ، لفصل القضاء بين عباده ، ونداءه لأنبيائه ورسله وملائكته ، وفعله ما شاء بتسميتكم لهذا كله حوادث ، ومن أنكر ذلك فقد أنكر كونه رب العالمين ، فإنه لا يتقرر في العقول والفطر كونه ربا للعالمين إلا بأن يثبت له الأفعال الاختيارية ، وذات لا تفعل ليست مستحقة للربوبية ولا للإلهية ، فالإجلال من هذا الإجلال واجب ، والتنزيه عن هذا التنزيه متعيّن ، فتنزيه الرب سبحانه عن قيام الأفعال به تنزيه له عن الربوبية وملكه.
قالوا : ولنا على صحة هذه المسألة أكثر من ألف دليل ، من القرآن والسنة والعقول ، وقد اعترف أفضل متأخريكم بفساد شبهكم كلها على إنكار هذه ، وذكرها شبهة شبهة ، وأفسدها ، والتزم بها جميع الطوائف حتى الفلاسفة الذي هم أبعد الطوائف من إثبات الصفات والأفعال ، قالوا : ولا يمكن إثبات حدوث العالم وكون الربّ خالقا ومتكلما وسامعا ومبصرا ومجيبا للدعوات ومدبرا للمخلوقات وقادرا ومريدا إلا القول بأنه فعّال ، وأن أفعاله قائمة به ، فإذا بطل أن يكون له فعل ، وأن تقوم بذاته الأمور المتجددة ، بطل هذا كله.