فصل
وقد أجاب عن هذا عبد العزيز بن يحيى الكناني في «حيدته» (١) ، فقال في سؤاله للمريسي : بأيّ شيء حدثت الأشياء؟ فقال له : أحدثها الله بقدرته التي لم تزل ، فقلت له : أحدثها بقدرته كما ذكرت ، أو ليس تقول : إنه لم يزل قادرا؟ قال : بلى ، قلت : فتقول : إنه لم يزل يفعل ، قال : لا أقول هذا ، قلت : فلا بد أن نلزمك أن تقول : إنه خلق بالفعل الذي كان بالقدرة ، لأن القدرة صفة. ثم قال عبد العزيز : لم أقل : لم يزل الخالق يخلق ، ولم يزل الفاعل يفعل ، وإنما الفعل صفة ، والله يقدر عليه ، ولا يمنعه منه مانع. فأثبت عبد العزيز فعلا مقدورا لله ، هو صفة ليس من المخلوقات ، وأنه به خلق المخلوقات ، وهذا صريح في أنّ مذهبه كمذهب السلف وأهل الحديث ، لأن الخلق غير المخلوق ، والفعل غير المفعول ، كما حكاه البغوي إجماعا لأهل السنة.
وقد صرح عبد العزيز أن فعله سبحانه القائم به ، وأنه خلق به المخلوقات ، كما صرح به البخاريّ في آخر صحيحه ، وفي كتاب خلق الأفعال ، قال في صحيحه : «باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق ، وفعل الرب وأمره» ، فالربّ سبحانه بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكوّن غير مخلوق ، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه ، فهو مفعول مخلوق مكون ، فصرح إمام السّنة أنّ صفة التخليق هي
__________________
(١) كتاب «الحيدة» طبع دار عمار للنشر والتوزيع في عمان ـ الأردن.