فإن قيل : فقد حكى أبو الفرج بن الجوزي عن أبي العالية ، أنه فسر الحسنة والسيئة ، في هذه الآية ، بالطاعة والمعصية ، وهو من أعلم التابعين ، فالجواب : إنه لم يذكر بذلك إسنادا ، ولا نعلم صحته عن أبي العالية ، وقد ذكر ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي العالية ما تقدم حكايته ، أن ذلك في السراء والضراء ، وهذا هو المعروف عن أبي العالية ، ولم يذكر ابن أبي حاتم عنه غيره ، وهو الذي حكاه ابن قتيبة عنه.
وقد يقال : إن المعنيين جميعا مرادان ، باعتبار أن ما يوفّقه الله من الطاعات فهو نعمة في حقه ، أصابته من الله ، كما قال (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ (٥٣)) [النحل] فهذا يدخل فيه نعم الدين والدنيا ، وما يقع منه من المعصية فهو مصيبة أصابته من الله ، وإن كان سببها منه ، والذي يوضح ذلك أن الله سبحانه إذا جعل السيئة هي الجزاء على المعصية من نفس العبد بقوله (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء] فالعمل الذي أوجب الجزاء أولى أن يكون من نفسه ، فلا منافاة بين أن تكون سيئة العمل من نفسه ، وسيئة الجزاء من نفسه ، ولا ينافي ذلك أن يكون الجميع من الله قضاء وقدرا ، ولكن هو من الله عدل وحكمة ومصلحة وحسن ، ومن العبد سيئة وقبيح ، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأها : وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وأنا قدرتها عليك.
وهذه القراءة زيادة بيان ، وإلا فقد دلّ قوله قبل ذلك : قل كلّ من عند الله ، على القضاء السابق والقدر النافذ ، والمعاصي قد تكون بعضها عقوبة بعض ، فيكون لله على المعصية عقوبتان ، عقوبة بمعصية تتولد منها ، وتكون الأولى سببا فيها ، وعقوبة بمؤلم يكون جزاءها ، كما في الحديث المتفق على صحته ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «عليكم بالصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ ، والبرّ يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ، ويتحرّى الصدق