الصالح من نفس العبد ، كما كان السيئ من نفسه ، لكان الأمران كلاهما من نفسه ، والله سبحانه قد فرّق بين النوعين ، وفي الحديث الصحيح الإلهي : «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوّفيكم إياها ، فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومنّ إلا نفسه» (١).
فصل
قال الجبري : أول الآية محكم ، وهو قوله : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ (٧٨)) ، وآخرها متشابه ، وهو قوله : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء] قال القدري : آخرها محكم وأولها متشابه.
قال السني : أخطأتما جميعا ، بل كلاهما محكم مبين ، وإنما أتيتما من قلّة الفهم في القرآن وتدبره ، فليس بين اللفظين تناقض ، لا في المعنى ، ولا في العبارة ، فإنه سبحانه وتعالى ذكر عن هؤلاء الناكلين عن الجهاد ، أنهم إن تصبهم حسنة يقولوا هذا من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يقولوا لرسوله صلىاللهعليهوسلم : هذه من عندك ، أي : بسبب ما أمرتنا به من دينك ، وتركنا ما كنا عليه ، أصابتنا هذه السيئات ، لأنك أمرتنا بما أوجبها ، فالسيئات هاهنا هي المصائب. والأعمال التي ظنوا أنها سبب المصائب هي التي أمروا بها ، وقولهم في السيئة التي تصيبهم : هذه من عندك ، تتناول مصائب الجهاد التي حصلت لهم من الهزيمة والجراح ، وقتل من قتل منهم ، وتتناول مصائب الرزق على وجه التطيّر والتشاؤم ، أي : أصابنا هذا بسبب دينك ، كما قال
__________________
(١) رواه مسلم (٢٥٧٧) عن أبي ذر الغفاري.