تعالى عن قوم فرعون : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (١٣١)) [الأعراف] أي : إذا جاءهم ما يسرون به ويتنعمون به من النعم ، قالوا : نحن أهل ذلك ومستحقّوه ، وإن أصابهم ما يسوؤهم ، قالوا : هذا بسبب ما جاء به موسى.
وقال أهل القرية للمرسلين : (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ (١٨)) [يس]. وقال قوم صالح له عليه الصلاة والسلام : (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ (٤٧)) [النمل]. وكانوا يقولون لما ينالهم من سبب الحرب : هذا منك ، لأنك أمرتنا بالأعمال الموجبة له وللمصائب الحاصلة من غير جهة العدو ، وهذا أيضا منك ، أي : بسبب مفارقتنا لديننا ودين آبائنا ، والدخول في طاعتك. وهذه حال كلّ من جعل طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم سببا لشرّ أصابه من السماء ، أو من الأرض ، وهؤلاء كثير في الناس ، وهم الأقلون عند الله تعالى قدرا ، الأرذلون عنده ، ومعلوم أنهم لم يقولوا : هذه من عندك ، بمعنى : أحدثتها ، ومن فهم هذا ، تبين له أن قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء] ولا يناقض قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ (٧٨)) [النساء]. بل هذا تحقيق له ، فإنه سبحانه بين أن النعم والمصائب كلها من عنده ، فهو الخالق لها ، المقدر لها ، المبتلي خلقه بها ، فهي من عنده ، ليس بعضها من عنده وبعضها خلقا لغيره ، فكيف يضاف بعضها إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وبعضها إلى الله تعالى؟! ومعلوم أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يحدثها ، فلم يبق إلا ظنهم أنه سبب لحصولها ، إما في الجملة ، كحال أهل التّطيّر ، وإما في المواقعة المعينة ، كحال اللائمين له في الجهاد ، فأبطل الله سبحانه ذلك الوهم الكاذب والظنّ الباطل ، وبيّن أنّ ما جاء به لا يوجب الشر البتة ، بل الخير كله فيما جاء صلىاللهعليهوسلم به ، والشرّ بسبب أعمالهم وذنوبهم ، كما قال الرسل عليهمالسلام لأهل القرية : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ). ولا يناقض هذا قول صالح عليهالسلام لقومه : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) ، وقوله تعالى عن قوم فرعون : (وَإِنْ