تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ (١٣١)) [الأعراف] بل هاتان النسبتان نظير هاتين النسبتين في هذه الآية ، وهي نسبة السيئة إلى نفس العبد ، ونسبة الحسنة والسيئة إلى أنهما من عند الله عزوجل.
فتأمل اتفاق القرآن وتصديق بعضه بعضا ، فحيث جعل الطائر معهم والسيئة من نفس العبد ، فهو على جهة السبب والموجب ، أي : الشرّ والشؤم الذي أصابكم هو منكم ومعكم ، فإنّ أسبابه قائمة بكم ، كما تقول : شرّك منك ، وشؤمك فيك. يراد به العمل ، وطائرك معك ، وحيث جعل ذلك كله من عنده ، فهو لأنه الخالق له المجازي به عدلا وحكمة ، فالطائر يراد به العمل وجزاءه ، فالمضاف إلى العبد العمل ، والمضاف إلى الرب الجزاء ، فطائركم معكم : طائر العمل ، وطائركم عند الله : الجزاء.
فما جاءت به الرسل ليس سببا لشيء من المصائب ، ولا تكون طاعة الله ورسوله سببا لمصيبة قط ، بل طاعة الله ورسوله لا توجب إلا خيرا في الدنيا والآخرة ، ولكن قد يصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم في طاعة الله ورسوله ، كما لحقهم يوم أحد ويوم حنين ، وكذلك ما امتحنوا به من الضراء وأذى الكفار لهم ، ليس هو بسبب نفس إيمانهم ، ولا هو موجبه ، وإنما امتحنوا به ، ليخلص ما فيهم من الشر ، فامتحنوا بذلك كما يمتحن الذهب بالنار ، ليخلص من غشه.
والنفوس فيها ما هو من مقتضى طبعها ، فالامتحان يمحّص المؤمن من ذلك الذي هو من موجبات طبعه ، كما قال تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)) [آل عمران] وقال : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ (١٥٤)) [آل عمران] فطاعة الله ورسوله لا تجلب إلا خيرا ، ومعصيته لا تجلب إلا شرا. ولهذا قال سبحانه : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)) [النساء] فإنهم لو فقهوا الحديث ، لعلموا أنه ليس في الحديث الذي أنزله الله على