رسوله ما يوجب شرا البتة ، ولعلموا أنه سبب كل خير ، ولو فقهوا ، لعلموا أنّ العقول والفطر تشهد بأن مصالح المعاش والمعاد متعلقة بما جاء به الرسول ، فلو فقهوا القرآن ، علموا أنه أمرهم بكلّ خير ، ونهاهم عن كل شر ، وهذا مما يبين أنّ ما أمر الله به يعلم حسنه بالعقل ، وأنه كله مصلحة ورحمة ومنفعة وإحسان ، بخلاف ما يقوله كثير من أهل الكلام الباطل : أنه سبحانه يأمر العباد بما لا مصلحة لهم فيه ، بل يأمرهم بما فيه مضرة لهم ، وقول هؤلاء تصديق وتقرير لقول المتطيّرين بالرسل.
فصل
ومما يوضح الأمر في ذلك أنه سبحانه لما قال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء] عقب ذلك بقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩)) [النساء] وذلك يتضمن أشياء :
منها : تنبيه أمته على أن رسوله الذي شهد له بالرسالة إذا أصابه ما يكره فمن نفسه ، فما الظنّ بغيره.
ومنها : أن حجة الله قد قامت عليهم بإرساله ، فإذا أصابهم سبحانه بما يسوؤهم ، لم يكن ظالما لهم في ذلك ، لأنه قد أرسل رسوله إليهم ، يعلمهم بما فيه مصالحهم ، وما يجلبها لهم ، وما فيه مضرتهم ، وما يجلبها لهم فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه.
ومنها : أنه سبحانه قد شهد له بالرسالة ، بما أظهره على يديه ، من الآيات الدالة على صدقه ، وأنه رسوله حقا فلا يضره جحد هؤلاء الجاهلين الظالمين