أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء] وخاطبه بهذا تنبيها لغيره كما تقدم.
ومنها : أنه قال في الرد عليهم : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ (٧٨)) [النساء] ولم يقل : من الله لما جمع بين الحسنات والسيئات. والحسنة مضافة إلى الله من كلّ وجه ، والسيئة إنما تضاف إليه قضاء وقدرا وخلقا ، وأنه خالقها كما هو خالق الحسنة ، فلهذا قال (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ (٧٨)) [النساء] وهو سبحانه إنما خلقها لحكمة ، فلا تضاف إليه من جهة كونها سيئة ، بل من جهة ما تضمنته من الحكمة والعدل والحمد ، وتضاف إلى النفس كونها سيئة. ولما ذكر الحسنة مفردة عن السيئة قال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ (٧٩)) [النساء] ولم يقل : من عند الله ، فالخير منه وأنه موجب أسمائه وصفاته ، والشر الذي هو بالنسبة إلى العبد شر ، من عنده سبحانه ، فإنه مخلوق له عدلا منه وحكمة ، ثم قال : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء] ولم يقل : من عندك ، لأنّ النفس طبيعتها ومقتضاها ذلك ، فهو من نفسها ، والجميع من عند الله ، فالسيئة من نفس الإنسان بلا ريب ، والحسنة من الله بلا ريب ، وكلاهما من عنده سبحانه قضاء وقدرا وخلقا ، ففرّق بين ما من الله وبين ما من عنده ، والشرّ لا يضاف إلى الله إرادة ولا محبة ولا فعلا ولا وصفا ولا اسما فإنه لا يريد إلا الخير ، ولا يحب إلا الخير ، ولا يفعل شرا ، ولا يوصف به ، ولا يسمّى باسمه. وسنذكر في باب دخول الشر في القضاء الإلهي وجه نسبته إلى قضائه وقدره إن شاء الله.
فصل
وقد اختلف في كاف الخطاب في قوله (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ