التي تحول بينها وبينها ، فصار الشر كله من النفس ، والخير كله من الله ، والجميع بقضائه وقدره وحكمته. وبالله التوفيق.
فصل
قال القدريّ : ونحن نعترف بهذا جميعه ، ونقرّ بأنّ الله خلق الإنسان مريدا ، ولكن جعله على خلقة يريد بها ، وهو مريد بالقوة والقبول ، أي : خلقه قابلا لأن يريد هذا وهذا ، وأما كونه مريدا لهذا المعنى ، فليس ذلك بخلق الله ، ولكنه هو الذي أحدثه بنفسه ، ليس هو من إحداث الله.
قال الجبريّ : هذه الإرادة حادثة ، فلا بد لها من محدث ، فالمحدث لها إما أن يكون نفس الإنسان ، أو مخلوق خارج عنها ، أو ربها وفاطرها وخالقها ، والقسمان الأولان محال ، فتعين الثالث.
أما المقدمة الأولى فظاهرة ، إذ المحدث إما النفس ، وإما أمر خارج عنها ، والخارج عنها إما الخالق ، أو المخلوق.
وأما المقدمة الثانية فبيانها أنّ النفس لا يصحّ أن تكون هي المحدثة لإرادتها ، فإنها إما أن تحدثها بإرادة أو بغير إرادة ، وكلاهما ممتنع ، فإنها لو توقّف إحداثها على إرادة أخرى ، فالكلام فيها كالكلام في الأولى ، ويلزم التسلسل إلى غير نهاية ، فلا توجد إرادة حتى يتقدمها إرادات لا تتناهى ، وإن لم يتوقف إحداثها على إرادة منها ، بطل أن تكون هي المؤثرة في إحداثها ، إذ وقوع الحادث بلا إرادة من الفاعل المختار محال ، وإذا بطل أن تكون محدثة للإرادة بإرادة ، وأن يحدثها بغير إرادة ، تعيّن أن يكون المحدث لتلك