موجبة ، يقرون بذلك ، ويقولون : إنه يحدث الحوادث بواسطته ، وحينئذ فنقول : هذا الإحداث إما أن يكون صفة كمال ، وإما أن لا يكون ، فإن كان صفة كمال ، فقد كان فاقدا لها قبل ذلك ، وإن لم يكن صفة كمال ، فقد اتصف بالنقص.
فإن قلت : نحن نقول بأنه ليس صفة كمال ولا نقص.
قيل : فهلّا قلتم في ذلك التعليل؟ وأيضا فهذا محال في حق الرب تعالى ، فإن كل ما يفعله يستحق عليه الحمد ، وكل ما يقوم من صفاته فهو صفة كمال ، وضده نقص ، وقد ينازع النّظّار في الفاعلية ، هل هي صفة كمال أم لا ، وجمهور المسلمين من جميع الفرق يقولون : هي صفة كمال. وقالت طائفة : ليست صفة كمال ولا نقص ، وهو قول أكثر الأشعرية ، فإذا التزم له هذا القول ، قيل له : الجواب من وجهين.
أحدهما : أن من المعلوم تصريح العقل ، أن من يخلق أكمل ممن لا يخلق ، كما قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧)) [النحل] وهذا استفهام إنكار ، يتضمن الإنكار على من سوّى بين الأمرين ، يعلم أن أحدهما أكمل من الآخر قطعا ، ولا ريب أن تفضيل من يخلق على من لا يخلق في الفطر والعقول كتفضيل من يعلم على من لا يعلم ، ومن يقدر على من لا يقدر ، ومن يسمع ويبصر على من لا يسمع ولا يبصر ؛ ولما كان هذا مستقرا في فطر بني آدم ، جعله الله تعالى من آلة توحيده وحججه على عباده قال تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)) [النحل] وقال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٩)) [الزمر] وقال تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ (٢٢)) [فاطر] وقال