بملكه وعدله فيهم بحمده ، وهو سبحانه له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير. ونظير هذا قوله سبحانه حكاية عن نبيه هود أنه قال : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)) [هود].
فقوله : ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ، مثل قوله : ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك. وقوله : إن ربي على صراط مستقيم ، مثل قوله : عدل فيّ قضاؤك ، أي : لا يتصرف في تلك النواصي إلا بالعدل والحكمة والمصلحة والرحمة ، لا يظلم أصحابها ، ولا يعاقبهم بما لم يعملوه ، ولا يهضمهم حسنات ما عملوه ، فهو سبحانه على صراط مستقيم ، في قوله وفعله ، يقول الحقّ ، ويفعل الخير والرشد ، وقد أخبر سبحانه أنه على صراط مستقيم في سورة هود : وفي سورة النحل ، فأخبر في هود أنه على صراط مستقيم ، في تصرفه في النواصي التي هي في قبضته وتحت يده ، وأخبر في النحل أنه يأمر بالعدل ، ويفعله.
وقد زعمت الجبرية أن العدل هو المقدور.
وزعمت القدرية أنّ العدل إخراج أفعال الملائكة والجن والإنس عن قدرته وخلقه. وأخطأ الطائفتان جميعا في ذلك.
والصواب : أن العدل وضع الأشياء في مواضعها التي تليق بها ، وإنزالها منازلها ، كما أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وقد تسمى سبحانه بالحكم العدل.
والقدرية تنكر حقيقة اسم الحكم ، وترده إلى الحكم الشرعي الديني ، وتزعم أنها تثبت حقيقة العدل ، والعدل عندهم إنكار القدر ، ومع هذا فينسبونه إلى غاية الظلم ، فإنهم يقولون : إنه يخلّد في العذاب الأليم من أفنى عمره في طاعته ، ثم فعل كبيرة ، ومات عليها ، فإن قيل : فالقضاء بالجزاء