عدل ، إذ هو عقوبة على الذنب ، فيكون القضاء بالذنب عدلا ، على أصول أهل السنة. وهذا السؤال لا يلزم القدرية ولا الجبرية ، أما القدرية فعندهم أنه لم يقض المعصية ، وأما الجبرية فعندهم أنّ كلّ مقدور عدل ، وإنما يلزمكم أنتم هذا السؤال ، قيل : نعم كل قضائه عدل في عبده ، فإنه وضع له في موضعه الذي لا يحسن في غيره ، فإنه وضع العقوبة ووضع القضاء بسببها وموجبها في موضعه ، فإنه سبحانه كما يجازي بالعقوبة ، فإنه يعاقب بنفس قضاء الذنب ، فيكون حكمه بالذنب عقوبة على ذنب سابق ، فإن الذنوب تكسب بعضها بعضا ، وذلك الذنب السابق عقوبة على غفلته عن ربه وإعراضه عنه ، وتلك الغفلة والإعراض هي في أصل الجبلّة والنشأة ، فمن أراد أن يكمله ، أقبل بقلبه إليه ، وجذبه إليه ، وألهمه رشده ، وألقى فيه أسباب الخير ، ومن لم يرد أن يكمله ، تركه وطبعه ، وخلّى بينه وبين نفسه ، لأنه لا يصلح للتكميل ، وليس محله أهلا ولا قابلا لما وضع فيه من الخير ، وهاهنا انتهى علم العباد بالقدر.
وأما كونه تعالى جعل هذا يصلح ، وأعطاه ما يصلح له ، وهذا لا يصلح ، فمنعه ما لا يصلح له ، فذاك موجب ربوبيته وإلاهيته وعلمه وحكمته ، فإنه سبحانه خالق الأشياء وأضدادها ، وهذا مقتضى كماله وظهور أسمائه وصفاته كما تقدم تقريره.
والمقصود : أنه أعدل العادلين في قضائه بالسبب وقضائه بالمسبب ، فما قضى في عبده بقضاء إلا وهو واقع في محله الذي لا يليق به غيره ، إذ هو الحكم العدل الغني الحميد.