الفصل السادس عشر
في
بيان أن الألم واللذة محالان على الله تعالى
أما الألم فقد أطبقوا على أنه محال على الله ، وأما اللذة فقسمان : لذة جسمانية ، ولذة روحانية. أما اللذة الجسمانية فقد أطبقوا على أنها محال على الله. واحتجوا على امتناع هذا الألم وهذه اللذة على الله تعالى بوجهين :
الأول : إن اللذة عن إدراك الملائم ، والألم عبارة عن إدراك المنافي ، وإدراك الملائم والمنافي في مشروط بحصول الملائم والمنافي ، وحصول الملائم والمنافي ، مشروط بكون الذات قابلة للزيادة والنقصان. وذلك إنما يعقل في حق الجسم الذي يقبل الزيادة والنقصان والنمو والذبول. ولما كان واجب الوجود لذاته ، منزها عن الجسمية ، كان ثبوت الألم واللذة في حقه محالا. ولقائل أن يقول : إنا نجد عند إدراك الملائم حالة طيبة مسماة باللذة ، وعند إدراك المنافي حالة مكروهة مسماة بالألم. ونحن لا نعرف أن تلك الحالة الطيبة المسماة باللذة ، هل هي نفس ذلك الإدراك ، أو حالة مغايرة لذلك الإدراك حاصلة عند حصول ذلك الإدراك؟ [وبتقدير أن يكون الحق هو أن اللذة حالة مغايرة للإدراك حاصلة عند حصول الإدراك (١)] فإنه لا يلزم من عدم حصول الملائم والمنافي ، عدم اللذة والألم. لأن إدراك الملائم على هذا التقدير يكون سببا لحصول اللذة ، وإدراك المنافي يكون سببا لحصول الألم. ولا يلزم من انتفاء
__________________
(١) من (و).