والثالث : إنا نعقل كونه واحدا مع الشك في أن ذلك الواحد واجب لذاته ، أو ممكن لذاته. وكذلك قد نعقل ماهية الواجب لذاته ، مع الشك في أنه واحد أو كثير. والمعلوم مغاير لغير المعلوم ، فوجب أن يكون كونه واحدا مغايرا لكونه واجب الوجود لذاته.
والرابع : إن الواحد قد يصدق حمله على الممكن لذاته ، والواجب بالذات البتة لا يصدق حمله على الممكن. فالواحد مغاير في الماهية للواجب بالذات.
ثم نقول : المفهوم من كونه واحدا ليس سلبيا. والدليل عليه : أنه لو كان سلبيا لكان سلبا للعدد. والعدد عبارة عن مجموع وحدات ، فالوحدة إن كانت عدما ، كان العدد عبارة عن مجموع عدمات ، فيكون العدد مفهوما عدميا. فإذا كانت الوحدة عبارة عن سلب العدد وكان العدد مفهوما عدميا كانت الوحدة عبارة عن عدم العدم. فوجب كونها صفة وجودية وأما إن كانت الوحدة عبارة عن مفهوم وجودي ، فذلك هو المطلوب. فيثبت : ان الوحدة صفة وجودية زائدة على كونه واجب الوجود لذاته. وهاهنا آخر الكلام في المباحث المتعلقة بالتنزيه. [والحمد لله حق حمده.
قال الداعي. رحمهالله عليه :
وقد تم هذا الكتاب ب «جرجانية خوارزم» في النصف الأخير ، من ربيع الأول ، سنة خمس وستمائة.
وقد تمت نسختنا هذه ليلة الخميس ، بعد انقضاء أعظم ليل ، الحادي عشر من جمادي الأولى ، سنة ست وثلاث وستمائة. والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد ، النبي الأمى ، وعلى آله أجمعين (١)]
* * *
تم الجزء الثاني من «المطالب العالية من العلم الإلهي» للامام فخر الدين الرازي. ويليه الجزء الثالث. وموضوعه في : «الصفات الإيجابية» وهي كونه سبحانه وتعالى : قادرا عالما. حيا. سميعا. بصيرا. متكلما. باقيا.
__________________
(١) من (و).