النصفين ، لا بد وأن يماس النصف الثاني منه بأحد وجهيه دون الوجه الثاني ، وكما صح على النصف الأول أن يماس النصف الثاني منه بأحد وجهيه ، وجب أن يصح عليه أن يماسه بوجهه الثاني ، ضرورة أن كل واحد من وجهيه على طبيعة واحدة ، وكل ما صح على الشيء ، وجب أن يصح على مثله. ومتى ثبت ذلك ، ثبت جواز التفرق والتمزق ، والاجتماع والافتراق عليه. وذلك محال.
الثالث : إنه إذا كان متناهيا من كل والجوانب ، فحينئذ يكون متناهيا من جهة فوق ، وحينئذ تكون الأحياز الفارغة حاصلة فوقه. فإذا خلق الله في تلك الأحياز الفارغة عالما آخر ، فحينئذ يلزم وقوع ذلك العالم فوق الباري ، ووقوع الباري تحت العالم. وذلك محال بالاتفاق.
الرابع : إنه إذا كان متناهيا من كل الجوانب ، فحينئذ يصح من الله تعالى أن يخلق أجساما متصلة بتلك الذات من كل الجوانب ، وحينئذ يصح عليه الاجتماع والافتراق. وذلك يدل على الحدوث.
الخامس : إنا إذا جوزنا في الشيء الذي يكون محدودا متناهيا من كل الجوانب : أن يكون إلها لهذا العالم ، فحينئذ لا يمكننا البتة أن نقطع بأن الشمس والقمر ليسا إلهين لهذا العالم ، لأنه لا عيب فيهما إلا أحد أمور ثلاثة : أحدهما : التناهي. والثاني : كونه مركبا من الأجزاء والأبعاض. والثالث : كونه قابلا للحركة والسكون. فإذا جوزنا هذه الثلاثة في حق الإله تعالى فحينئذ لا يمكننا جعل هذه الأشياء عينا في الإلهية. وحينئذ لا يمكننا القدح في إلهية الشمس والقمر وسائر الكواكب. بل على هذا التقدير ، فلعل إله العالم هو العرش نفسه ، من غير حاجة إلى إثبات شيء آخر ، معلوم إن كل ما يلزم منه هذا القول ، فهو باطل بإجماع من العقلاء. فيثبت بما ذكرنا : أن إله العالم لو كان حاصلا في الجهة والحيز ، لوجب وقوعه على أحد هذه الأقسام وثبت بالدليل فسادها بأسرها ، فوجب القطع بأنه يمتنع كون الإله عزوجل حاصلا في الحيز والجهة. فإن قيل : ألستم تقولون : إنه تعالى غير متناه في ذاته فيلزمكم