جميع ما ألزمتموه علينا؟ قلنا : الشيء يقال له إنه غير متناهي على وجهين. أحدهما : أنه منزه عن المقدار والحجمية ، والحيز والجهة. ومتى كان الأمر كذلك ، امتنع أن يكون لذاته حد ومقطع ونهاية. والثاني : أن يكون في ذاته حجما ومقدارا ، إلا أنه ممتدا امتدادا بغير النهاية ، بمعنى أنه لا ينتهي إلى حد ومقطع ، إلّا وتجد بعد ذلك منه شيئا آخر. فإذا قلنا : إن ذات الله تعالى غير متناهية : عنينا به الأول. لا الثاني وعلى هذا التقسيم ، فالتفسير الذي ذكرناه في إبطال قولكم غير وارد علينا.
الحجة الرابعة : إنه تعالى لو حصل في شيء من الأحياز والجهات ، لكان إما أنه يحصل في ذلك الحيز المعين ، مع وجوب أن يحصل فيه [أو مع جواز أن يحصل فيه (١)] والقسمان باطلان ، فكان القول بحصوله في الحيز باطلا أما الحصر فظاهر.
وأما القسم الأول وهو أنه يقال : حصل في ذلك الحيز ، مع وجوب أن يحصل فيه: فهو قول باطل. ويدل عليه وجوه :
الأول : إن كل ما كان حجميا ، شاغلا للحيز ، وجب أن يكون مساويا لسائر الأجسام ، ولسائر الأحجام في تمام الماهية ، على ما قررنا هذه المقدمة في الفصول السابقة(٢). وإذا ثبت هذا ، فنقول : لو وجب حصول واحد منها في حيز معين ، لوجب حصول كلها في [ذلك (٣)] الحيز ، ضرورة أن الأشياء المتساوية في تمام الماهية ، يجب اشتراكها في جميع اللوازم ، [وحينئذ يلزم اجتماع الذوات (٤)] الكثيرة في (٥) الحيز الواحد ، وذلك محال.
والثاني : وهو أن الحدود والجوانب المفترضة في الخلاء الصرف ، متشابهة ومتساوية في تمام الماهية. فإن الخلاء الصرف لا حقيقة له ولا ماهية له ، إلا
__________________
(١) من (و).
(٢) السالفة (س).
(٣) من (و).
(٤) من (س).
(٥) في : (س). إلى : (و).