فقط ، فأما أن يكون للأرض الخالية تأثير في غيره ، فقليل جدا. وأما الماء فهو أقل كثافة وحجمية من الأرض ، فلا جرم حصلت فيه قوة مؤثرة ، فإن الماء جاري بطبعه ، فإذا اختلط بالأرض أثر فيه أنواعا من التأثيرات وأما الهواء فإنه أقل حجمية وكثافة من الماء ، فلا جرم كان أقوى في التأثير من الماء.
ولذلك قال بعضهم : «إن الحياة لا تكمل إلا بالنفس» وزعموا : أنه لا معنى للروح إلا الهواء المستنشق ، وأما النار فإنها ألطف من الهواء ، فلا جرم كانت أقوى الأجسام العنصرية في التأثير ، فإن بقوة الحرارة يحصل الطبخ والنضج ، وتكون المواليد الثلاثة ـ أعني : المعادن والحيوان والنبات ـ وأما الأفلاك فإنها لما كانت ألطف من الأجرام العنصرية ، لا جرم كانت هي المستولية على هذه العناصر بالتمزيج والتركيب ، وهذا على قول أكثر الفلاسفة المتقدمين الذين يقولون : أجرام الأفلاك ليست صلبية ، بل هي جارية مجرى الأنوار اللطيفة.
وإذا ثبت هذا. فنقول : هذا الاستقراء يدل على أن الشيء كلما كان أكثر جرمية وحجما كان أقل قوة وتأثيرا ، وكلما كان أقوى قوة وتأثيرا ، كان أقل حجمية وجرمية ، وإذا كان كذلك فهذا الاستقراء يفيد ظنا قويا أنه حيث حصل كمال القوة والقدرة على الإحداث والإيجاد ، وجب أن لا يحصل هناك معنى الحجمية والجرمية ، والاختصاص بالحيز والجهة ، وهذا وإن كان بحثا استقرائيا ، إلا أنه عند الاعتبار العام ، يفيد كونه سبحانه منزها عن الجسمية ، والاختصاص بالحيز ، والجهة. [والله أعلم (١)]
__________________
(١) من (و).