الفصل السادس
في
حكاية شبهات مثبتي الجسمية والمكان
اعلم : أن القوم عولوا على وجوه من الكلمات :
فالشبهة الأولى : [من شبهات مثبتى الجسمية (١)] أن قالوا : لما خلق الله تعالى العالم. فإما أن يقال : إنه خلقه في ذاته ، أو في خارج ذاته. والأول باطل بالاتفاق لأنه يلزم أن تكون ذاته مخالطة للقاذورات. والثاني يقتضي كون العالم واقعا خارج ذات الله تعالى ، مباينا عن ذاته ، فيكون الله تعالى مباينا للعالم بالحيز والجهة ، فأما القول بأن العالم واقع [لا (٢) في ذات الله ولا في خارج ذات الله تعالى ، فهذا مما لا يقبله العقل البتة.
الشبهة الثانية : قالوا : لا شك أن هذا العالم موجود ، وذات الله تعالى موجود أيضا ، وكل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر ، أو مباينا عنه بجهة من الجهات الست. وأما الذي لا يكون ساريا ولا مباينا عنه في شيء من الجهات ، فهذا هو العدم المحض ، والنفي الصرف فالقول به تصريح بنفي الصانع ، وذلك باطل ، ألا ترى أنا إذا قلنا في الشيء : إنه غير حاصل في الدار ، وغير حاصل أيضا خارج الدار ، كان هذا تصريحا بكونه عدما محضا
__________________
(١) من (س) وأن (ط).
(٢) من (و).