[ونفيا صرفا ، فيثبت أنه تعالى لو لم يوجد خارج العالم كان معدوما محضا (١)] وذلك باطل. فوجب القول بكونه موجودا خارج العالم.
الشبهة الثالثة : لا نزاع بين المسلمين في أنه تعالى عالم بالجزئيات. فنقول : العالم بالجسمانيات لا بدّ وأن يكون جسما حاصلا في الحيز. والدليل عليه : أنا إذا تخيلنا مربعا مجنحا بمربعين متساويين. فنحن نميز في خيالنا بين هذين المربعين الواقعين على هذين الطرفين، وهذا الامتياز إما أن يكون واقعا في الوجود الخارجي ، أو في الوجود الذهني. والأول باطل لأنه يمكننا أن نتخيل هذه الصورة حال كونها معدومة في الخارج. فيثبت : أن هذا الامتياز واقع في الذهن ، وليس ذلك الامتياز بسبب حصول الامتياز في الماهية ولوازمها ، لأن الماهية ولوازمها مشترك فيها بين هذين المربعين ، فوجب أن يكون سبب هذا الامتياز شيء من العوارض. لكن الامتياز في العوارض لا يحصل إلا عند التغاير في القابل فإن الصورتين لو اجتمعتا في محل واحد ، وفي قابل واحد ، لكان كل ما يعرض عارضا لأحدهما ، كان هو بعينه عارضا للآخر ، وحينئذ يصير ذلك العارض مشتركا فيه. فلا يكون موجبا للتغاير والتباين فثبت أنه لا يمكن حصول الامتياز في الذهن بين هذين المربعين الواقعين على الجانبين إلا إذا كان محل أحدهما غير محل الآخر ، فثبت أن المدرك لهذه الصورة لا بد وان يكون جسما منقسما ، فثبت أنه تعالى مدرك للجزئيات ، وثبت أن كل من كان مدركا للجزئيات ، وجب أن يكون جسما حاصلا في الحيز والجهة ، ينتج : أنه تعالى حاصل في الحيز. واعلم : أنه ثبت بالوجه الذي ذكرناه : أن إدراك الجزئيات لا يحصل إلا عند حصول الجسمية. ثم إن الفلاسفة قالوا : لكنه ليس بجسم ، فيمتنع كونه مدركا للجزئيات ، والمجسمة قالوا : لكنه مدرك للجزئيات ، فوجب كونه جسما.
الشبهة الرابعة : إنه تعالى ذات موصوف بالصفات ، وكل ما كان كذلك فلا بد وأن يكون جسما حاصلا في الحيز. بيان الأول : أنه تعالى عالم قادر ،
__________________
(١) من (و).