المقتضى لقبول الانقسام إلى المجانب وإلى المباين هو الوجود.
ثم إن الوجود [حاصل بالسوية. فوجب أن ينقسم الجوهر ، إلى ما يكون مجانبا ، وإلى ما يكون (١)] مباينا بالجهة. ومعلوم أن انقسام الجوهر إلى هذين القسمين : محال. ولزم أيضا في العرض أن ينقسم إلى هذين القسمين. ومعلوم أنه محال. فإن قالوا : إن كل جوهر وعرض ، فإنه يصح أن يكون منقسما إلى هذين القسمين ، نظرا إلى كونه موجودا. وإنما يمتنع ذلك الانقسام ، نظرا إلى مانع منع منه ، وهو خصوصية ماهيته. فنقول : فهذا اعتراف بأنه لا يلزم من كون الوجود علة لصحة أمر من الأمور ، أن يصح ذلك الحكم على كل ما كان موصوفا بالوجود ، لاحتمال أن تكون خصوصية تلك الماهية ، مانعة من ذلك الحكم.
السؤال العاشر : إن ما ذكرتموه من الدلائل قائم في صور كثيرة ، مع أن النتيجة المطلوبة باطلة قطعا. فالأول : إن كل ما سوى الله فإنه محدث ، فتكون صحة الحدوث حكما مشتركا بينهما ، فنقول : هذه الصحة حكم مشترك ، فلا بد لها من علة مشتركة والمشترك إما الحدوث وإما الوجود ، ولا يمكن أن يكون المقتضى لصحة الحدوث هو الحدوث ، لأن صحة الحدوث سابقة على الحدوث بالرتبة ، والسابق بالرتبة على الشيء يمتنع كونه معللا بالمتأخر ، فثبت : أن صحة الحدوث لا يمكن أن تكون معللة بالحدوث ، فوجب كونها معللة بالوجود ، فوجب أن يكون كل موجود بحيث يصح أن يكون محدثا ، ومعلوم أنه باطل. والثاني : إن كل موجودين في الشاهد ، فلا بد وأن يكون أحدهما مجانبا للآخر ، أو مباينا عنه في أي جهة كان ثم نذكر التقسيم المتقدم حتى يظهر أن هذا الحكم معلل بالوجود ، والباري تعالى موجود فيلزم أن يصح على الباري كونه مجانبا للعالم أو مباينا عنه بأي جهة كانت ، وذلك يقتضي جواز الحركة على الله تعالى ، وهو محال. والثالث : وهو أن كل موجود في الشاهد ، فهو إما حجم وإما قائم بالحجمية ، ثم نذكر التقسيم الذي ذكرتم إلى آخره ،
__________________
(١) من (س).