الفصل الثامن
في
بيان أنه يمتنع أن يكون إله العالم
هو هذا الفضاء الذي لا نهاية له
اعلم : أن من الناس من قال : إن هذا الفضاء الذي لا نهاية له : هو الله سبحانه. قالوا : والسبب في اعتقاد هذا المذهب : إن بديهة العقل حاكمة بأن الموجود ، إما هذا الفضاء ، وإما شيء يحصل في هذا الفضاء. إما حصولا على سبيل الاستقلال وهو الجسم ، أو على سبيل التبعية وهو العرض. قالوا : والصفات والأعراض محتاجة إلى الذوات التي هي الجواهر والأجسام. وهذه الذوات محتاجة في وجودها إلى هذا الفضاء ، وأما هذا الفضاء فإنه غير محتاج إلى شيء آخر ، لأن الفضاء شيء قائم بنفسه ، فلا حاجة به إلى فضاء آخر.
وأيضا : العقل يأبى تصور عدم هذا الفضاء ، لأن بتقدير أن يرتفع هذا الفضاء فهل يتميز هاهنا الجانب الذي هو قدامي عن الجانب الذي هو خلفي ، أو لا يتميز؟ فإن لم يتميز ، فهذا مدفوع في بديهة العقل ، [وإن تميز أحد الجانبين عن الآخر ، فذلك الفضاء موجود لأنا لا نعني بهذا الفضاء إلا الأمر الذي يتميز فيه جهة عن جهة (١)] وجانب عن جانب. وعلى هذا التقدير : الفضاء شيء يلزم من فرض عدمه فرض وجوده ، وهذا محال. والمفضي إلى المحال محال.
فيثبت : أن فرض عدم هذا الفضاء ممتنع لذاته [فيثبت بما ذكر : أن هذا
__________________
(١) من (س).