التقدير يكون غنيا عن المكان والحيز ، لأن من المعلوم بالضرورة : أن هذا الفضاء ليس حاصلا في فضاء آخر ، بل هو شيء قائم بنفسه ، غني عن كل ما سواه.
فهذا حكاية شبهات هؤلاء الأقوام.
واعلم أن هذا القول عندنا باطل. لأن هذا الفضاء إما أن يكون محضا ، وإما أن يكون موجودا ، فإن كان عدما محضا ، امتنع القول بكونه إلها للعالم ، وإن كان موجودا فلا شك أنه قابل للمساحة والتقدير والتبعيض. فإن الخلاء الذي بين جداري الصفّة أصغر من الخلاء الذي بين جداري البلد ، وما كان كذلك كان قابلا للقسمة والتجزئة. وما كان كذلك كان مركبا وكل مركب ممكن ، ولا شيء من الممكن بواجب ، ينتج : فلا شيء من الفضاء بواجب الوجود لذاته. وينعكس فلا شيء من الواجب الوجود لذاته بفضاء. وهذا برهان قاطع في إثبات المطلوب.
وأما قولهم : بأن هذا الفضاء غني عن الغير ، وقريب ، وغير متناهي ، والإله غني عن الغير ، وقريب وغير متناهي. فكل ذلك تمسك بقياس من موجبتين في الشكل الثاني ، وأنه غير منتج ، لما ثبت أنه لا يمتنع في العقل اشتراك الماهيات المختلفة في بعض اللوازم. [والله أعلم (١)].
__________________
(١) من (و).