الفصل التاسع
في
تفسير قولنا : إن الإله تعالى غير متناهي
اعلم أن هذا اللفظ يطلق في حق الله تعالى تارة بحسب ذاته ، وتارة بحسب دوام وجوده ، وتارة بحسب صفاته ، وقبل الخوض في هذه التفاصيل نقول : إن قولنا للشيء : إنه لا نهاية له قد يذكر بمعنى السلب وقد يذكر بمعنى العدول. أما بمعنى السلب فهو أن يكون المراد : أن الماهية القابلة لمعنى الحد والنهاية مسلوبة عنه. وذلك لأن النهاية عبارة عن طرف مقدار الشيء ومقطعه ، وإذا كان خاليا عن المقدار وجب خلوه عن طرف المقدار ، لأن عند انتفاء المقدار ، يستحيل حصول طرف المقدار وأما بمعنى العدول ، فهو أن يكون الشيء له حجمية ومقدار ، إلا أنه لا ينتهي مقداره إلى مقطع وحد ، بل كلما عددته أو قدرته ، فإنك تجد خارجا عنه شيئا آخر منه من غير حاجة إلى التكرير. إذا عرفت هذا فنقول : إذا قلنا : إن ذات الله تعالى غير متناهي ، فإنا نريد به معنى السلب. نعني : أنه منزه عن المقدار والحجمية والوضع والحيز ، وإذا كان الأمر كذلك فالمعنى الذي لأجله يصح وصف الشيء بأن له حدا أو طرفا ، مسلوب عن ذات الله تعالى ، فكأن ذاته غير متناهية بهذا التفسير. وهذا عند من يقول إنه تعالى منزه عن المقدار والجسمية والوضع والحيز ، أما عند من يقول بهذه المذاهب ، فإنه نفس كونه تعالى غير متناهي ، إما في جميع الجهات ، أو في بعض الجهات بالتفسير الثاني. وهذا هو الكلام في تفسير كونه تعالى غير متناهي ، بحسب الذات.