وأما كونه تعالى غير متناهي بحسب الدوام والبقاء ، فإن تفسيره هو الوجه الثاني ، وهو أنا إذا استحضرنا في أوهامنا ، وخيالاتنا أيا من السنين؟ كم سنينا من الأعداء؟ فإنا لا ننتهي إلى طرف وحد إلا ويحكم العقل بأنه تعالى كان موجودا قبل ذلك ، وهذا الحكم باقي أبد الآباد ، فإن قالوا : فهذا الدوام لا يمكن تعقله إلا مع فرض الزمان الدائم ، والمدة المستمرة ، وإذا كان الله تعالى واجب الدوام ، وثبت أن حقيقة الدوام لا تعقل إلا مع المدة والزمان ، فحينئذ يلزم افتقار ذات الله تعالى في الدوام والبقاء ، إلى شيء غيره ، والمفتقر إلى الغير ممكن لذاته ، فيلزم أن يكون الواجب لذاته ، ممكنا لذاته. هذا خلف. ونقول : دوام الشيء لا يتوقف على اعتبار حال الزمان والمدة ، لأن ذلك الزمان إما أن يكون دائما أو لا يكون ، فإن كان دائما فدوامه ليس لأجل دوام زمان آخر ، وإلا لزم أن يكون كل زمان مظروفا لزمان آخر ، إلى غير النهاية [أو كلها يكون موجودا دفعة. وذلك محال. وإذا كان دوام الزمان (١)] ليس لأجل زمان آخر ، فقد عقلنا معنى الدوام من غير اعتبار زمان آخر ، فليعقل مثله في حق واجب الوجود لذاته ، وأما إن قلنا : إن الزمان غير دائم مع أن واجب الوجود دائم لذاته ، فحينئذ لا يكون دوامه مشروطا بشيء آخر ، وذلك يوجب سقوط السؤال المذكور وأما كونه تعالى غير متناهي بحسب الصفات فنقول : إنه تعالى قادر على ما لا نهاية له ، ولا نريد به أن تلك المعدودات أعداد متشخصة بحيث يكون كل واحد منها في نفسه متميزا عن الأخر ، وأنه تعالى قادر عليها ، كما يقوله القائلون : بأن المعدوم شيء بل المراد منه : أنه تعالى لا ينتهي في الخلق والتكوين إلى حد ، إلّا ويبقى بعد ذلك قادرا على الإيجاد والتكوين كما كان قبل ذلك ، وهذا هو المراد من قولنا : إنه تعالى قادر على ما لا نهاية له. ونقول [أيضا : إنه عالم بما لا نهاية له (٢)] والمراد ما ذكرناه ، والإشكال هاهنا أصعب لأن القدرة مؤثرة في المقدور ، فلم يلزم أن يكون المقدور مقدورا في نفسه قبل ذلك التأثير. أما العلم (٣) بأنه يتعلق بالشيء على ما هو عليه ، فوجب تقرير
__________________
(١) من (و).
(٢) من (س).
(٣) الحكم (و).