الفصل العاشر
في
أنه هل يصح أن نرى واجب الوجود لذاته؟
اعلم : أنه قد عظم الشغب فيه بين المتكلمين. ويجب قبل الخوض فيه تقديم مقدمات، لا يتم الكلام إلا بتقديمها.
المقدمة الأولى : في تفسير الرؤية. فنقول : إدراك الشيء يقع على ثلاث مراتب. فالمرتبة الأولى : إنا إذا رأينا البناء ، علمنا أنه لا بد له من باني. وهاهنا المعلوم ليس إلا كونه بانيا فأما حقيقته المخصوصة ، وذاته المعينة من حيث هي هي ، فإنها لا تصير معلومة البتة. والمرتبة الثانية : إنا إذا علمنا الماهية [المخصوصة المسماة باللون عن طريق الإبصار ، وعلمنا الماهية المخصوصة المسماة (١)] بالصوت عن طريق السماع ، ثم أغمضنا العين ، وسددنا الأذن ، فإنا نكون عالمين بحقيقة اللون من حيث إنه هو ، وبحقيقة الصوت من حيث إنه هو ، ولا شك أن هذه المرتبة أقوى في كونه معلوما متصورا مدركا من المرتبة الأولى. فإنا في المرتبة الأولى ما علمنا الشيء إلا بحسب صفة عرضية من صفاته ، وأما في هذه المرتبة فقد علمنا الماهية المخصوصة من حيث إنها هي ، فهذه المرتبة أقوى في المعلومية وفي المتصورية من المرتبة الأولى. وأما المرتبة الثالثة في الإدراك : فهو أن ننظر بالعين إلى اللون ، وأن نسمع بالأذن ذلك الصوت فإنا حال ما غمضنا العين ، كنا عالمين بماهية اللون المخصوص ، علما
__________________
(١) من (س).