الفصل الحادي عشر
في
أنا في هذه الحياة هل نعرف ذات الله تعالى من حيث إنها
هي : أعني : تلك الحقيقة المخصوصة. وبتقدير أن لا
نعرفها. فهل يمكن حصول تلك المعرفة لأحد من الخلق ، أو
لكلهم. أم لا؟
نقول : أما البحث الأول. وهو أنا في هذه الحياة الدنيا. هل نعرف تلك الحقيقة المخصوصة؟ فنقول : إن هذه المعرفة : غير حاصلة. ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : إن المعلوم عندنا من الحق سبحانه ، إما الوجود ، أو كيفية ذلك الوجود أو الإضافات أو السلوب. والعلم بهذه المعلومات ليس نفس العلم بذات الله المخصوصة ، ولا أيضا هذه العلوم توجب العلم بتلك الذات المخصوصة ، فوجب أن يقال : إنا لا نعرف تلك الحقيقة المخصوصة.
فنفتقر في تقرير هذا الدليل إلى مقدمات :
المقدمة الأولى : في بيان أنا لا نعرف من الله إلا هذه الأمور الأربعة. فالأول : إنا إذا علمنا أن العالم محدث وكل محدث فله محدث. فههنا قد علمنا وجود الله. وأما الثاني : وهو معرفة كيفية ذلك الوجود فهي من وجهين : الأول : إنا نعرف أنه واجب الوجود لذاته ، وهو عبارة عن معرفة أن ذلك الوجود واجب الثبوت له ، لما هو هو ، وذلك عبارة عن معرفة صفة من صفات ذلك الوجود. والثاني : إنا نعرف كونه قديما أزليا باقيا سرمديا ، وهو عبارة عن كون ذلك الوجود دائما مبرأ عن العدم فيما قبل وفيما بعد ، ويرجع حاصله إلى معرفة صفة من صفات ذلك الوجود.