الفصل الأول
في
بيان أن اثبات موجود ليس بجسم ولا حال في الجسم :
ليس بممتنع الوجود في بديهة العقل
اعلم. أن كثيرا من الناس ، يزعمون : أن كل موجودين. فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر ، أو مباينا عنه في جهة من الجهات الست (١). وزعموا : أن إثبات موجود لا يكون حالا في هذا العالم الجسماني ، ولا مباينا عنه بحسب شيء من الجهات : ممتنع الوجود. ثم زعموا : أن العلم بهذا الامتناع : علم بديهي ضروري ، غني عن الحجة والدليل.
وأما الجمهور الأعظم من العقلاء فإنهم اتفقوا على أن إثبات موجود ليس بمتحيز ، ولا حال في المتحيز ، وليس في العالم ، ولا في خارج العالم : ليس معلوم الامتناع في بديهة العقل، بل الأمر في إثباته ونفيه موقوف على الدليل. فإن دل الدليل على إثباته وجب القضاء به ، وإلا وجب التوقف في إثباته ونفيه.
وهذا القول هو الذي نذهب إليه ونقول به.
والذي يدل على أن الأمر كذلك وجوه : الحجة الأولى : أن نقول : لو كانت هذه القضية بديهة لامتنع وقوع الاختلاف فيها بين العقلاء ، لكن الاختلاف واقع فيها ، فوجب أن لا يكون بديهيا. بيان الملازمة : أن الجمع العظيم من العقلاء لا يجوز إطباقهم على إنكار
__________________
(١) جهات العالم (س)