السؤال الثاني : هب أن حدوث الشيء عن المادة السابقة : معقول. فلم قلتم : إن الأمر كذلك؟ وتقريره : إنكم إما أن تقولوا : إن هذه المقدمة ضرورية أو نظرية. لا جائز كونها ضرورية. لأن جميع المسلمين القائلين بحدوث الأجسام : اتفقوا على أنها حادثة عن محض العدم ، ولو كان افتقار الحادث إلى المادة السابقة : معلوما بالضرورة ، لامتنع اختلاف العقلاء فيه. وأيضا : فلو جاز لكم ادعاء البديهة في قولكم ، لجاز لخصومكم ادعاء البديهة في قولهم. فقد ظهر بهذا الكلام : فساد ادعاء الضرورة فيه. وأما الدليل. فأنتم ما ذكرتم دليلا في أن كل محدث ، فلا بد له من مادة. فقد سقط هذا الكلام.
ولنتكلم الآن على الوجوه التي ذكرتموها. فنقول :
أما الوجه الأول من الوجوه الثلاثة التي ذكرتموها : فجوابه : إنه لا نزاع في أن من تشكك في أن هذا الشخص الذي نشاهده الآن ، لعله حدث الآن على هذا الوجه. فإنه يقضي عليه بالجنون. إلا أن هذا ، إنما يدل على كوننا قاطعين بأن هذا المعنى لم يقع الآن. فلم قلتم : إنه يدل على كوننا قاطعين بأنه يمتنع وقوعه؟ وتقريره : إن الوقوع غير ، وجواز الوقوع غير ، فنحن قاطعون بعدم الوقوع. فأما ادعاء كوننا قاطعين. بامتناع الوقوع على هذا الوجه ، فهذا ممنوع. فما الدليل عليه؟
وأما الوجه الثاني : فلا نسلم أن حكم العقلاء بافتقار البناء [إلى الباني ، مثل حكمهم بافتقار البناء (١)] إلى المادة والمدة ، والدليل عليه : أن جمهور المتكلمين [قاطعون (٢)] بافتقار البناء إلى الباني ، وقاطعون (٣) بافتقاره إلى المادة والمدة.
وأما الوجه الثالث : فنقول : إنه تعالى فاعل مختار ، فله أن يفعل ما شاء ، كما شاء. فلعله خلق الأجسام ابتداء ، لا عن مادة أصلا ، ثم إنه تعالى
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) من (ت)
(٣) وقاطعوا بعدم افتقاره (ت)