إلى السبب الحادث ، حكم ضروري في العقول ، بديهي في النفوس.
فكان القول : بأن الحكم الحادث غني عن السبب الحادث : قولا باطلا. فإن قالوا : أليس أن العقلاء يجوزون إسناد الحكم [الحادث] (١) إلى سبب كان موجودا قبل ذلك الوقت؟ فإنهم قد يقولون : إن هذا الذي حدث الآن ، إنما حدث عن ذلك الحقد القديم ، والعداوة القديمة. فهذا يدل على أنهم يجوزون إسناد الحكم الحادث ، إلى سبب كان موجودا قبله بزمان. فنقول في الجواب عنه : إن من يقول هذا الكلام [لا بد وأن] (٢) يعترف بأن تلك العداوة القديمة ، كانت موجبة (٣) لهذه المضار الحادثة ، إلا أن ظهور هذه الآثار عن تلك العداوة القديمة ، كانت موقوفة على شرائط ، ما حدثت إلا الآن. مثل القدرة على الإظهار ، ومثل زوال الموانع. فأما أن يقال : إن تلك العداوة القديمة ، كانت توجب هذه الأحوال ، ثم كانت الشرائط بأسرها حاصلة ، والموانع بأسرها ، كانت زائلة. ثم إن ذلك الأثر ، لم يحصل مدة طويلة ، ثم حدث الآن ، لا لتغير شرط ، ولا لزوال مانع. فذلك ممتنع في بدائه العقول. فيثبت : أنه قد تقرر في العقول الصحيحة : أن كل حكم (٤) حادث فلا بد له من سبب حادث.
الثاني : أن بتقدير أن لا يكون للحادث الأول سبب حادث ، لكان ذلك ، إما لأجل أن ذلك الحادث الأول له أصلا ، أو إن كان له سبب ، لكنه غير حادث. أما الأول فباطل بالاتفاق.
وأما الثاني : فباطل أيضا. لأن ذلك الشيء لما كان حاصلا قبل ذلك [حال (٥)] ما كان هذا الأثر معدوما ، وحصل الآن أيضا مقارنا لوجوده ، حكم صريح العقل بأنه لا يصلح لأن يكون سببا له ، وأنه لا بد لهذا الحادث من
__________________
(١) من (ت)
(٢) من (ط)
(٣) موجود لا (ت)
(٤) نقول ذلك (ت)
(٥) من (س)