في
الوجوه المستنبطة
في هذه الباب مما يتعلق بالمكان
قالوا : قد دللنا على أنه لا بد من الاعتراف بوجود علوم بديهية أولية ، لا يحتاج في إثباتها أو في تقريرها إلى حجة وبينة. وذلك لأنه لا معنى للحجة والبينة : إلا تركيب علوم مسلّمة ليتوسل بها إلى الحكم بأمر مجهول الثبوت. فعلى هذا : الحجج والبينات : موقوفة الصحة على البديهيات. فلو وقفنا البديهيات على الأمور التي يحاول إثباتها بالدلائل والبينات ، لزم الدور. وإنه محال.
فيثبت : أن العلوم البديهية : مسلمة بأنفسها ، متقررة بذواتها ، من غير أن يحتاج إثباتها إلى الدليل والبينة. إذا ثبت هذا ، فنقول : والعلم الضروري [حاصل (١)] بأنه لا معنى للعلم الضروري ، إلا ما تشهد بصحته فطرة العقل ، وبديهة النفس. إذا ثبت هذا ، فنقول : وجود الأبعاد الممتدة طولا وعرضا وعمقا : أمر واجب [الوجود (٢)] لذاته. ومتى ثبت هذا ، كان الجسم موجودا : واجب الوجود لذاته. أما المقام الأول : فهو أن كل ما كان ممكنا ، فإنه لا يلزم من فرض وقوعه : محال. فلو كان ارتفاع الأبعاد الممتدة طولا وعرضا وعمقا : ممكنا لذاته ، لكنا إذا فرضنا ارتفاع هذه الأبعاد ، فعند
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) من (ط ، س)