هذا الفرض وجب أن لا يلزم المحال. إلا أن المحال لازم لا محالة ، لأن عند ذلك الفرض ، إذا فرضنا حيوانا واقفا [على طرف العالم (١)] فإما أن يتميز الجانب الذي يلي وجهه عن الجانب الذي يلي قفاه ، وإما أن لا يتميز. والقسم الثاني مدفوع في بديهة العقل. لأن فطرة النفس شاهدة بأن على جميع التقديرات ، فإنه لا بد وأن يتميز الجانب الأيمن عن الجانب الأيسر ، والجانب الذي يحاذي (٢) الوجه ، عن الجانب الذي يحاذي القفا. والقول بأنه تحصل حالة لا يحصل معها هذا الامتياز ، مما لا يقبله العقل ، وإذا ثبت حصول هذا الامتياز ، فقد حصلت الأبعاد الممتدة طولا وعرضا وعمقا. فيثبت : أن هذه الأبعاد موجودة ، وأنها غير قابلة للعدم البتة ، فكانت واجبة الوجود لذواتها.
فإن قيل : الكلام على هذا التقدير من وجهين :
الوجه (٣) الأول : وهو قول الحكماء : وهو أن الأبعاد متناهية ، وخارج العالم لا خلاء ولا ملاء. وقولكم : بأن الواقف على طرف العالم ، لا بد وأن يتميز فوقه عن تحته ، ويمينه عن شماله. فنقول : هذا الحكم وإن كان ضروري الثبوت في فطرة النفس ، إلا أنه حكم الوهم والخيال [وحكم الوهم والخيال (٤)] قد يكون كاذبا غير ملتفت إليه فيثبت : أن هذا الحكم ، وإن كان واجب الثبوت في فطرة النفس ، إلا أنه غير مقبول.
والوجه الثاني : وهو قول المتكلمين : وهو أن الامتياز في هذه الأحياز ، وفي هذه الجهات أمر حاصل لا يمكن إنكاره. إلا أن هذه الأحياز أشياء يفرضها العقل ، ويقدرها الوهم ، وليس لها في نفسها وجود ولا ثبوت.
والدليل عليه : وهو أنه لا معنى لهذا الشيء ، إلا أنه خلاء خالي ، وفضاء لم يحصل فيه شيء من الأجسام. فهذا عدم محض ، ونفي صرف ،
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) يلي (ت)
(٣) زيادة
(٤) من (ت)