واعترض «محمد بن زكريا الرازي» على هذه الحجة من وجهين :
الأول : وهو أن هذا إنما يلزم ، إذا كان عدم الأفلاك والكواكب عدما ذبوليا ، على الاستمرار. أما بتقدير أن يكون عدمها واقعا دفعة ، فإن هذا غير لازم.
والثاني : إن بتقدير أن يكون عدمها عدما ذبوليا ، إلا أنه يحتمل أن تكون تلك الأجرام صلبة. فالذبول الذي يحصل فيه ، في المقدار الذي يصل إلينا تواريخها ، يكون قليلا لا يمكن الإحساس به. ألا ترى أن الياقوت جرم صلب ، ولا بد وأن يتحلل منه شيء ، إلا أنه لما كان قوي الصلابة ، لم يكن مقدار ما يتحلل منه محسوسا في أعمارنا. فالأفلاك والكواكب أصلب من الياقوت ، والبعد بيننا وبينها كثير جدا. فلا يمتنع أن يكون عدم الإحساس بما يحصل فيها من الذبول ، كان لهذا السبب.
وهذان الاعتراضان على [كلام (١)] «جالينوس» واقع حسن.
الحجة التاسعة : إن الأفلاك مستديرة بطباعها ، والمستدير بالطبع لا يقبل الميل المستقيم ، وإذا لم يكن قابلا (٢) للميل المستقيم ، امتنع كونه قابلا للخرق والالتئام ، والتفرق والتمزق.
أما بيان أنها مستديرة بطباعها : وذلك لأن الحركة المستديرة ، لو لم تكن لها طباعية ، لما كانت دائمة ولا أكثرية. وحيث كان الأمر كذلك ، علمنا أنها طباعية. وأما بيان أنها لما كانت مستديرة بطباعها ، لم يكن فيها ميل مستقيم : لأن الميل المستقيم يوجب الصعود والنزول. والميل المستدير يوجب الانحراف عن الصعود والنزول. فلو حصل في الشيء الواحد: ميل طبيعي إلى الحركة المستقيمة والمستديرة ، لزم اجتماع المتنافيين في الشيء الواحد وهو محال. فيثبت : أنه ليس في الأجرام الفلكية : ميل مستقيم. وإن كان كذلك ، لم تكن تلك الأجسام قابلة للتفرق والتمزق والبطلان.
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) قابلا له ، امتنع (ط ، ت)