في
بيان أن كون العالم أزليا ،
لا يقتضي استغناؤه عن المؤثر
اعلم (١) أن القائلين بالحدوث. قالوا : لو كان العالم قديما ، لكان غنيا عن المؤثر ، وذلك يوجب نفي الصانع بالكلية. واحتجوا على صحة قولهم : بأنه لو كان قديما ، لكان غنيا عن المؤثر [ووضحوا قولهم (٢)] بحجة ومثال.
أما الحجة : فهي أنهم قالوا : القديم هو الذي يكون موجودا أبدا. فلو قلنا : إن وجوده حصل لسبب ، لزم منه إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل ، وهو محال.
وأما المثال : فهو أنهم قالوا : البناء يحتاج إلى الباني حال حدوثه ، وأما حال بقائه فلا يحتاج إليه. وأيضا : إن من خضب يده بالحناء ، فإنه يحتاج في أول الأمر ، إلى الصاق الحناء باليد ، ثم إن اللون يبقى بعد زوال ذلك السبب. وأيضا : إن من رمى حجرا إلى فوق. فإن المذهب الصحيح أن ذلك القاسر يحدث في ذلك الجسم : قوة قسرية ، تحرك ذلك الجسم إلى فوق. فتلك القوة حال حدوثها ، تحتاج إلى المؤثر ، وأما حال بقائها ، فإنها غنية عن المؤثر. فهذا جملة كلام القوم.
واعلم أن الحكماء قالوا : لا يمتنع في العقل كون الأثر القديم ، معللا
__________________
(١) من (ت) الحجة الأولى : اعلم ... الخ
(٢) زيادة