وإن كان الثاني : وهو أن يكون [الحيز (١)] مشار إليه بحسب التبعية ، فهذا هو العرض والعرض حاصل في الجسم ، فلو كان الجسم حاصلا في العرض ، لزم كون كل واحد منهما ظرفا للآخر ومظروفا له ، وهو محال. وأما إن كان المسمى بالحيز موجودا ، غير مشار إليه بحسب الحس ، امتنع حصول الجسم فيه ، بمعنى كونه مظروفا لذلك الشيء ، وكون ذلك الشيء ظرفا للجسم ، لأن الجسم موجود مشار إليه بحسب الحس ، وإذا كان المسمى [بالحيز (٢)] موجودا ، غير مشار إليه ، كان كل واحد منهما مباينا عن الآخر. وحينئذ يمتنع كونه ظرفا له. فهذا هو الكلام في الحيز.
سلمنا : أن الحيز معقول الماهية. فلم قلتم : إن الجسم لا ينفك عن الحركة والسكون؟ قوله : «لأن الجسم إما أن يبقى مستقرا في حيزه المعين ، أو ينتقل منه إلى غيره» قلنا : هذا الدليل معارض بدليل آخر ، وهو أن يقال : لو كان الجسم مستلزما للحركة والسكون ، لكان إما أن يستلزمها معا ، أو يستلزم أحدهما بعينه ، أو يستلزم أحدهما لا بعينه. والكل باطل. فبطل القول بهذا الاستلزام. أما إنه لا يمكن أن يستلزمهما معا ، فلأنه يقتضي كون الجسم الواحد متحركا ساكنا معا. وهو محال. وأما إنه لا يمكن أن يستلزم أحدهما بعينه ، فلأنه يلزم أن لا يصير المتحرك ساكنا. وبالعكس. وذلك محال. وإما إنه لا يمكن أن يستلزم أحدهما لا بعينه ، فلأن كل ما كان موجودا في الأعيان ، فهو في نفسه معين ، فإنه من المحال أن يحصل في الوجود : موجود ، لا يكون هو في نفسه معينا ، بل يكون هو في نفسه ، إما هذا ، وإما ذاك.
وإذا امتنع وجود موجود غير معين في نفسه ، امتنع كون غير المعين لازم للجسم ، لأن كون الشيء لازما [لغيره (٣)] في الأعيان [فرع على كونه موجودا في الأعيان ، فما لا وجود له في الأعيان ، امتنع كونه لازما (٤)] للجسم الذي هو
__________________
(١) من (ط)
(٢) سقط (ط)
(٣) من (ط)
(٤) من (ط ، س)