القول الثالث للقائلين بالهيولى : إن هيولى العالم هو النور والظلمة ، وهما قديمان ، ثم امتزجا ، فحدث هذا العالم من امتزاجهما. ثم إن كان مذهب هؤلاء : أن النور والظلمة من قبيل الأجسام كان هذا شعبة من شعب القول الأول ، وهو قول من يقول : الهيولى هو الجسم وإن كان مذهبهم : أن النور والظلمة ليسا من الأجسام ، كان هذا قولا خارجا عن ذلك القول.
القول الرابع للقائلين بالهيولى : إن هيولى هذا العالم ، هو الوحدات. وهذا القول منسوب إلى فيثاغورس ، وطائفته. وتقريره : أن شيئا من الماهيات الموجودة في هذا العالم لا ينفك عن الوحدة ، فإن كان كل ما كان موجودا فله تعين ، ولسبب ذلك التعين وحدة. وأيضا : المعدودات لها وحدة ما أيضا ، لأن العشرة عشرة واحدة ، والعشرون عشرون واحدة ، وكذلك القول في سائر الأشياء الواحدة والمعدودة. فثبت : أن كل موجود فإنه يمتنع دخوله في الوجود ، إلا إذا حصلت له الواحدة. وأما الواحدة فإنها غنية عن جميع الماهيات ، فإنه لا ماهية يشير العقل إليها ، إلا والوحدة حاصلة متقررة مع عدمها. فثبت بهذا : أن ما سوى الوحدة ، فإنه مفتقر إلى الوحدة ، وثبت أن الوحدة غنية عما سواها ، والغني متقدم بالرتبة والوجود على المحتاج. فثبت : أن المادة الأولى لجميع الموجودات هي الوحدات.
إذا عرفت هذا فنقول : الوحدة إن كانت مجردة عن الإشارة ، فهي الوحدة ، وإن صارت مشارا إليها فهي النقطة ، فإذا تركبت نقطتان حصل الخط ، وإذا تركب خطان حصل السطح [وإذا تركب السطحان (١)] حصل الجسم ، ثم إن الجسم إذا أحاط به أربع قواعد مثلثات فهو النار ، وإن أحاط به ثمان قواعد مثلثات فهو الهواء ، وإن أحاط به عشرون قاعدة مثلثات فهو الماء ، وإن أحاط به ست قواعد مربعات فهو المكعب ، وهو الأرض ، وإن أحاط به اثنا عشر قواعد مخمسات فهو الفلك. ثم إن العناصر إذا اختلط بعضها بالبعض حصلت المواليد [الثلاثة (٢)] فيثبت بما ذكرنا : أن المادة الأولى
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ت)