وأما السؤال الثالث : وهو النقض بالصور المذكورة.
فالجواب عنه : إن هذه الصورة بأسرها أمور ، إضافية نسبية. والإضافات والنسب يمتنع أن تكون موجودة في الأعيان ، وإلا لزمت التسلسلات ، والتزام التسلسل : محال في العقول. والدليل عليه : أن المعقول من التسلسل : التزام القول بوجود أمور متتالية متلاصقة مادة إلى غير النهاية. ومعلوم : أن هذا المعنى لا يحصل إلا عند الاعتراف بوجود أشياء متلاصقة متواصلة ، لا يتخللها شيء آخر. إلا أنا نقول : القول بكون الإضافات موجودات في الأعيان ، يبطل ذلك. ولنذكر تقرير هذا الكلام في مثال واحد فنقول : لو كانت المؤثرية صفة زائدة على ذات المؤثر وعلى ذات الأثر ، فهل هاهنا شيء يؤثر في شيء آخر ، أم لا؟ فإن كان الأول : لا يكون بين المؤثر وبين أثره ، المتصل به : واسطة. إلا أن هذا مع القول بكون الإضافات أمورا موجودة [في الأعيان (١)] محال. لأن كون ذلك المؤثر مؤثرا في أثره : متوسط بينهما. فحيث صدق أنه ليس بينهما متوسط [صدق أنه حصل بينهما متوسط (٢)] وهذا محال. وإن كان الثاني : وهو أنه ليس هاهنا شيء يؤثر في شيء : كان هذا نفيا للتأثير [والمؤثر (٣)] وذلك باطل. وكذا القول في موصوفية الذات بالصفة. فيثبت بما ذكرنا : أنه لو كانت الإضافات موجودة في الأعيان لزم القول بالتسلسل ، وثبت : أن ذلك محال ، فوجب القطع بأن الإضافات لا وجود لها في الأعيان البتة. ولما كان جميع النقوض التي أوردتموها من باب الإضافات ، ثبت أن شيئا منها غير موجود في الأعيان ، لا بمجموعها ولا بآحادها ، بخلاف الحوادث الماضية ، فإنه وإن لم توجد جملتها على سبيل الاجتماع ، إلا أنه وجدت جملتها على سبيل التعاقب [والتوالي (٤)] فظهر الفرق. فهذا غاية ما يحضرنا في تقرير هذه الحجة ، بعد الأفكار المتوالية فيها ، في مدة أربعين سنة. والله ولي التوفيق.
__________________
(١) من (ت ، ط)
(٢) من (ط)
(٣) من (ط ، س)
(٤) من (ط)