إنه تعالى حركها وركب العالم منها. وهذا هو قول : أكثر الفلاسفة الذين كانوا قبل «أرسطاطاليس».
ونحن في هذا المقام مشتغلون بإبطال هذا المذهب ، وإذا بطل ذلك ، حينئذ يتم لنا القول بحدوث الأجسام.
واعلم أنا نحتاج في هذا المقام إلى إقامة الدلالة على أنه يمتنع كون السكون أزليا ودليلنا على إثبات هذا المطلوب : أن نقول : لو كان السكون أزليا ، لما جاز زواله. وقد جاز زواله، فيمتنع كون السكون أزليا. واعلم أن بتقدير أن يكون السكون عبارة عن عدم الحركة فإنه لم يصح هذا الدليل. لأن زوال العدم الأزلي جائز بالاتفاق ، إذا لو لم يجز ذلك ، لبطل القول بحدوث الأجسام. وبيانه من وجهين :
الأول : إن الخصم يقول : لو كان العالم حدثا ، لكان عدمه أزليا. ولو كان عدمه أزليا ، لامتنع زواله. فكان يجب أن لا يوجد العالم. وحيث وجد ، علمنا أن عدمه كان أزليا. ولما لم يكن عدمه أزليا ، وجب أن يكون وجوده أزليا.
والثاني : إنه لو كان العالم محدثا ، لما كان البارئ تعالى موجودا له في الأزل ، ولا مؤثرا فيه. ولو كان [عدم (١)] الموجدية والمؤثرية أزليا لما زال هذا العدم. وحيث زال ، علمنا أن علم الموجدية ليس أزليا ، فوجب أن يكون حصول الموجدية أزليا وذلك يقتضي قدم العالم. فيثبت بهذا : أنه لا يمكن أن يقال : إن كل ما كان أزليا ، فإنه يمتنع زواله.
بل يجب تخصيص هذه الدعوى بالأمور الوجودية. فيقال : إن كل ما كان موجودا في الأزل ، فإنه يمتنع زواله ، وإذا ثبت هذا ، فيفتقر في تقرير هذا المطلوب إلى ثلاثة أمور :
فالأول : بيان أن السكون صفة موجودة.
__________________
(١) من (ت)