الأول : إن الأجسام لما كانت قابلة للصفات الحادثة ، امتنع كونها قديمة.
والثاني : إن الإله (١) تعالى وتقدس ، لما كان قديما ، امتنع كونه قابلا للصفات الحادثة.
الحجة الثالثة : أجسام العالم ، لو كانت أزلية ، لكانت في الأزل ، إما أن تكون مجتمعة فقط ، أو متفرقة فقط ، أو تارة مجتمعة ، وتارة متفرقة. أو بعضها مجتمعة ، وبعضها متفرقة. والأولان باطلان ، وإلا لزم أن لا يصير المجتمع متفرقا ، ولا بالعكس. لما ثبت : أن الأزلي لا يزول ، والثالث باطل. لأنه يلزم منه وجود حوادث لا أول لها. وقد أبطلناه. والرابع باطل أيضا. لأن ذلك الذي كان مجتمعا ، وجب أن لا يفترق ، وذلك الذي كان مفترقا ، وجب أن لا يجتمع. لما ثبت أن الأزلي لا يزول.
واعلم أن هذا الدليل بعينه عائد إلى ما تقدم ذكره.
الحجة الرابعة : لو كان الجسم أزليا ، لكان في الأزل حاصلا في حيز معين. ولو كان كذلك ، لامتنع خروجه عن ذلك الحيز ، ولامتنع كونه متحركا. وحيث لم يمتنع ذلك ، علمنا : أن الجسم لا يمكن أن يكون أزليا. وإنما قلنا : إنه لو كان أزليا ، لكان في الأزل حاصلا في حيز معين : لأن الجسم هو الذي يصدق عليه أنه مقدار وحجم. وكل ما كان كذلك ، وجب أن يكون حاصلا في حيز مبهم. لأن كل ما كان موجودا في نفسه ، فهو معين في نفسه ، فحصول الجسم المعين في حيز مبهم (٢) في نفس الأمر : محال في العقل. فيثبت : أنه لو كان الجسم موجودا في الأزل ، لكان حاصلا في حيز معين. ولو كان كذلك ، لكان حصوله في ذلك الحيز : أزليا. ولو كان كذلك ، لا يمتنع العدم على تلك الصفة. لما ثبت : أن الأزلي يمتنع عليه العدم. ولما دل الحس على جواز الحركة على الأجسام ، علمنا : امتناع كون الجسم أزليا. وهذا
__________________
(١) الإله تقدست ذاته (ط)
(٢) معين (ت)