الدليل لا يتم أيضا في الحقيقة ، إلا عند الرجوع إلى دليل الحركة والسكون ، إلا أنه [أقل(١)] مقدمات من ذلك الدليل.
الحجة الخامسة : الأجسام متناهية في المقدار ، وكل ما كان كذلك فهو محدث. أما بيان الصغرى فهو مذكور في مسألة تناهي الأبعاد.
وأما بيان الكبرى فهو أن نقول : كل ما كان متناهيا في المقدار ، فإنه يصح في العقل وجود ما هو أزيد مقدارا منه ، ووجود ما هو أنقص مقدارا منه. وإذا كان كذلك ، كان اختصاصه بذلك القدر المعين ، دون الزائد ، ودون الناقص ممكنا. وكل ممكن فلا بد له من مرجح ، وذلك المرجح يمتنع أن يكون موجبا. لأن نسبة الموجب إلى جميع المقادير على السوية. فلم يكن كونه موجبا لمقدار معين ، أولى من كونه موجبا (٢) لغير ذلك المقدار ، فوجب أن يكون المؤثر فيه ، فاعلا مختارا. وكل ما كان فعلا لفاعل مختار ، فهو محدث. فيثبت : أن كل جسم ، فإنه متناهي [المقدار ، وكل متناهي المقدار (٣)] فإن اختصاصه بذلك القدر يكون من الجائزات. وكل ما كان كذلك ، فإنه يمتنع رجحانه على غيره ، إلا بفعل الفاعل المختار. وكل ما كان فعلا للفاعل المختار ، فهو محدث. وعند ظهور هذه المقدمات يحصل الجزم بأن كل جسم فهو محدث. [والله أعلم (٤)].
الحجة السادسة : نقول : أجسام العالم متماثلة في تمام الماهية. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب كونها محدثة.
بيان الأول : ما ذكرنا من أن الأجسام متساوية في الحجمية والتحيز ، فلو خالف بعضها في أمر من الأمور المقوية للماهية ، لكان ما به المخالفة ، مغاير لما به المساواة التي هي عموم الجسمية. وذلك المغاير إما أن يكون صفة الجسم ،
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) موجبا لذلك المقدار (ت)
(٣) من (ط ، س)
(٤) من (ط ، س)