لأن وجوب (١) الوجود بالذات ، لا يكون معللا بالغير. وإما أن لا يكون واحد من هذين القيدين علة للثاني ، فحينئذ يجب أن يكون اجتماعهما معلول علة منفصلة. فيلزم : أن يكون واجب الوجود لذاته ، واجب الوجود لغيره. وهو محال. فيثبت : أن واجب الوجود لذاته ، ليس إلا الواحد.
الثاني : إنا بينا في باب أحكام الوجود : أن الأجسام ، وجودها غير ماهياتها ، وكل ما كان وجوده غير ماهيته ، فهو ممكن لذاته. ينتج : أن كل جسم فإنه ممكن لذاته.
الثالث : إن الأجسام مركبة من الهيولى والصورة. وكل مركب ممكن ، فالأجسام ممكنة. وأيضا الهيولى والصورة يمتنع [خلو (٢)] كل واحد منهما عن الآخر ، مع أن واحدا منهما (٣) ليس علة للآخر. وكل ما كان كذلك ، فهو ممكن. فالأجسام ممكنة بحسب ذواتها ، وبحسب أجزاء ماهياتها.
الرابع : إن الجسم يمتنع انفكاكه عن الحصول في الحيز المعين [وليست ماهيته علّة للحصول في الحيز المعين] (٤) وإلّا لامتنع خروجه عن الحيز المعين ، وكل ما يمتنع خلوه عن شيء ، ولا يكون ذلك الشيء معلولا له ، فهو مفتقر في تحققه إلى ذلك الشيء ، وكل ما كان كذلك ، فهو ممكن لذاته [ينتج : أن الجسم ممكن لذاته (٥)] فيثبت : أن العالم ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فله مؤثر ، وذلك [المؤثر (٦)] إما أن يكون موجبا أو مختارا. وبطل القول بالموجب للدلائل [الكثيرة (٧)] المذكورة في باب إثبات القادر ، ولسائر الوجوه التي نذكرها بعد ذلك في مقالة مفردة. فوجب أن يكون المؤثر في كل ما سوى الموجود الواحد : فاعلا مختارا.
__________________
(١) الوجوب الوجود (ط)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ط)
(٤) من (ط ، ت)
(٥) من (ت)
(٦) من (س)
(٧) من (ت)