أحدهما : الأشكال التي حصلت على سبيل الاتفاق من غير أن يحتاج حصولها إلى فعل [فاعل (١)] حكيم.
والثاني : الأشكال التي يشهد صريح العقل ، بأنها لا تحصل إلا بقصد فاعل حكيم.
أما القسم الأول : فمثل الحجر المنكسر ، والكوز المنكسر. فإنه لا بد وأن يكون لتلك القطعة من الحجر والخزف شكل مخصوص معين ، إلا أن صريح العقل شاهد بأن ذلك الشكل ، وقع على سبيل الاتفاق ، ولا يتوقف حصولها على فعل فاعل مختار.
وأما القسم الثاني : فهو مثل الأشكال الواقعة على وفق المصالح والمنافع. ونذكر منها مثالا واحدا : وهو أنا لما نظرنا إلى الإبريق ، رأينا فيه ثلاثة أشياء :
أحدهما : الرأس الواسعة. وثانيها : البلبلة الضيقة. وثالثها : العروة. فلما تأملنا في هذه الأجزاء الثلاثة ، ووجدناها موافقة لمصلحة الخلق ، فإنه لا بد من توسيع رأس الإبريق ، حتى يدخل الماء فيه بالسهولة ، لا بد من ضيق بلبلة الإبريق ، حتى يخرج منها الماء ، بقدر الحاجة. ولا بد لها من العروة ، حتى يقدر الإنسان على أن يأخذها بيده. فلما وجدنا هذه الأجزاء الثلاثة في الإبريق مطابقة للمصلحة : شهد عقل كل أحد بأن فاعل هذا الإبريق ، لا بد وأن يكون قد فعله بناء على الحكمة ، ورعاية للمصلحة. ولو أن قائلا قال : إن هذا الإبريق تكوّن بنفسه من غير قصد قاصد حكيم ولا فعل فاعل عالم. بل اتفق تكونه بنفسه كما اتفق تشكل هذه القطعة من الخزف بهذا الشكل الخاص ، من غير قصد [قاصد (٢)] حكيم ، ولا جعل جاعل عليم ، لشهدت الفطرة السليمة ، بأن هذا القول : قول باطل محال.
إذا عرفت هذه المقدمة ، فنقول : إنا لما شاهدنا في الإبريق هذه الأجزاء الثلاثة مطابقة للمنفعة ، وموافقة للمصلحة ، شهدت الفطرة الأصلية ،
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ط)