أحدهما : مواضع حضيضية. لغاية (١) قربها من الأرض. وهذا المواضع هي البراري الجنوبية ، وهي محترقة نارية ، لا يتكون فيها حيوان. وأما المواضع (٢) المقارنة لتلك المواضع ، فسكانها كلهم سود الألوان ، لأجل احتراق موادهم وجلودهم ، بسبب ذلك الهواء المحترق بالشمس. وأما المواضع المسامتة الأوجه (٣) في جانب الشمال ، فهي غير محترقة بل معتدلة. ثم قد ثبت في «المجسطي» أن التفاوت الحاصل بسبب قربها وبعدها من الأرض : قليل. وبسبب حصول ذلك القرب القليل ، صار الجانب الجنوبي محترقا. فعلمنا بهذا الطريق : أن الشمس لو حصلت في فلك الثوابت ، لفسدت الطبائع من شدة البرد. ولو أنها انحدرت إلى فلك القمر ، لاحترق هذا العالم بالكلية. فلهذا السبب قدّر الحكيم [الرحيم (٤)] الناظر لعباده : أن جعل الشمس وسط الكواكب السبعة ، لتكون بحركتها الطبيعية المعتدلة ، وقربها المعتدل تبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم على حد الاعتدال.
فأما أهل الإقليم الأول ، فلأجل قربهم من الموضع لحضيض الشمس ، كانت سخونة هوائهم شديدة ، فلا جرم هم أكثر سوادا ، لأن تأثير الشمس فيهم عظيم. وأما أهل الإقليم الثاني ، فهم سمر الألوان. وأما الإقليم الثالث والرابع فأعدل الأقاليم مزاجا بسبب اعتدال الهواء. وأيضا : فغاية ارتفاع الشمس إنما يكون عند كونها في أبعد بعدها عن الأرض ، فلا جرم صار أهل هذا الإقليم ، موصوفين بالصفات الكريمة ، والصور الجميلة.
وأما الإقليم الخامس ، فإن سخونة الهواء هناك ، أقل من الاعتدال بمقدار يسير ، فلا جرم صار في حيز البرد والثلوج ، وصارت طبائع أهله أقل نضجا من طبائع أهل الإقليم الرابع. إلا أن بعدهم عن الاعتدال قليل. وأما
__________________
(١) وغاية قربه (ت ، ط)
(٢) البلاد (ت)
(٣) لا توجد (ت)
(٤) من (ط ، س)