والإماتة بواسطة حركات الأفلاك والكواكب والطبائع. ألا ترى أن الرجل يطأ زوجته فيتولد منه حيوان بعدد الطبائع ، وقد يقتل الإنسان حيوانا آخر بالآلات والأدوات. فالأحياء والإماتة بهذا الطريق لا يدل على وجود الإله.
فأجاب إبراهيم عليهالسلام وقال : هب أن إله العالم يخلق الموت والحياة في هذا العالم ، بواسطة تحريك الأفلاك وتمزيج الطبائع ، إلا أن محرك الأفلاك والطبائع هو الله [تعالى (١)] لأنه لا يمكن أن يقال : إنها متحركة لذواتها. لأن الذات باقية مصونة عن التغير. والحركة نفس التغير. والباقي لا يكون علة للمتغير. ولا يجوز أن يقال : إن محرك هذه الأفلاك : أفلاك أخرى. وإلا لزم التسلسل. فيثبت : أن محرك هذه الأفلاك هو الله تعالى. فإذا كان يحيي ويميت بواسطة حركات الأفلاك ، كان الإحياء والإماتة من الله [تعالى (٢)] بخلاف الواحد منا ، فإنا إذا أحييا وأمتنا بواسطة الطبائع ، لم تكن الحياة والموت منا. لأنا لا نقدر على تحريك الأفلاك. فظهر (٣) الفرق.
وهذا الجواب هو الذي قاله إبراهيم حيث قال : «فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب» (٤) والمراد كأنه قال : هب أنه تعالى أتى بها بواسطة حركات الشمس إلا أن محرك الشمس هو الله [تعالى (٥)] وأنت لا تقدر على تحريك الشمس. وكل فعل يفعله الله بواسطة حركة الشمس [كان ذلك الأثر فعلا له. وأما كل فعل تفعله أنت بواسطة حركة الشمس (٦)] لم يكن ذلك الفعل فعلا لك البتة. فظهر الفرق.
واعلم : أنا فسرنا هذه المناهدة على هذا الوجه ، ليظهر منها وجه التحقيق في ذكر هذه الحجة.
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ت)
(٣) فهذا (ت)
(٤) البقرة ٢٥٨
(٥) من (ت)
(٦) من (ط)