والنوع الثالث من الدلائل القرآنية : أنه تعالى شرع في تقرير الدلائل في سورة النحل فابتدأ فيها بذكر الأفلاك ، فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ. تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١).
ثم في المرتبة الثانية ذكر الإنسان فقال :«خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ«٢»» فقوله :«خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ»إشارة إلى عجائب بدنه ، وقوله :«فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ»إشارة إلى [عجائب (٣)] نفسه. ثم في المرتبة الثالثة : ذكر عجائب الحيوان. فقال : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها. لَكُمْ فِيها : دِفْءٌ) (٤) فذكر عجائب (٥) أحوال الحيوانات. ثم إنه في المرتبة الرابعة : ذكر عجائب النبات ، فقال :(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، لَكُمْ مِنْهُ : شَرابٌ. وَمِنْهُ : شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ : يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ : الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[فجعل مقطع هذه الآية : قوله : (يَتَفَكَّرُونَ) (٦)] وذلك لأنه استدل بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر [المختار (٧)]
وللسائل (٨) أن يسأل فيقول : لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه : طبائع الفصول ، وحركات الشمس والقمر؟ ولما كان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال ، لا جرم كان مجال الفكر والنظر والتأمل باقيا. فلهذا جعل مقطع هذه الآية : قوله :يَتَفَكَّرُونَثم إنه تعالى : أجاب عن هذا السؤال من وجهين :
الأول : هب أن تغيرات العالم الأسفل ، مربوطة بأحوال حركات
__________________
(١) النحل ٣
(٢) النحل ٤
(٣) من (ط)
(٤) النحل ٥
(٥) عجائب الحيوان (ط)
(٦) من (ط) والآيتين في سورة النحل ٩ ـ ١١
(٧) من (ط)
(٨) ولقائل (ط)